لم يكن من السهل إستنبات المسرح المأساوي في الأراضي العربية الإسلامية قبل منتصف القرن الثامن عشر، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، لأن جل الباحثين في مجال تأريخ المسرح أكدوا ذلك. فالمسلمون الأوائل تحاشوا ترجمة المسرحيات الإغريقية بدعوى أنها منافية للمبادئ الإسلامية، باعتبار المسرح اليوناني انبثق من الطقوس الدينية والاحتفالات بالألهة والوثنية، خاصة إله الخصب والخمر، بالإضافة إلى أن الإسلام حرم التجسيم والتصوير، وهذا الرأي أجل دخول الفعل التراجيدي إلى المنطقة العربية.
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، أن بداية المسرح ظهرت في إطار الإحتفالات الدينية التي كانت تقام في الأراضي الإغريقية كتعبير على العطاء والخصب اللذان كان مصدرهما ديونوزيس إله الخصب والخمر. وتعتبر هذه الإحتفالات حسب جل الباحثين، الشرارة الأولى التي فسحت المجال أمام مبدعي الإغريق أمثال “اسخليوس” و “سوفكليس” و”يوربيديس” ليبدعوا أعمالا مسرحية بقيت خالدة إلى يومنا هذا.
فأغلب المواضيع التي تناولها المسرحيون الإغريق كانت تتسم بالصراع مع القدر المحتوم والتاريخ الغير المنصف. وبعد مجيئ أرسطو الفيلسوف اليوناني الذي اعتبر في كتابه فن الشعر أن المسرح، فن تطهيري، بحيث النفس الإنسانية عندما تشاهد عمل مسرحي مأساوي، تشعر بالتنفيس من ضغوطات الحياة التي لا ترحم. فرغم اختلاف التيماث بين مبدعي الإغريق، لكن القاسم المشترك الذي يحركهم هو مأساوية الحياة والصراع بين قوى الخير وقوى الشر، وهذه هي الميزة التي تمتاز بها التراجيديا، على خلاف الكوميديا التي يعتبرها البعض تقليدا استفزازيا لمشاعر الناس بطريقة سخرية تنقص من قيمة الفرد.
فالصراع مع القدر الذي يعتبر شرط أساسي لقيام تراجيديا، فهذا الأمر جعل من المسلمين يقعوا في الحرج عندما أرادوا ترجمة بعض المسرحيات الإغريقية.
ويعتبر إبن رشد خير دليل في عدم قبول الفن التراجيدي، فعندما أراد ترجمة فن الشعر لأرسطو للغة العربية، استبدل كلمة التراجيديا بالمديح والكوميديا بالهجاء، وهنا تلبس عليه الأمر، وجعل من الشعر مسرحا، مع العلم أن الفن الشعري ليس هو الفن المسرحي المأساوي، فكل واحد منهم له لغته التي تميزه عن الآخر.
وبقي هذا الصراع بين الفن المأساوي والعرب المسلمين منذ بزوغ الإسلام ، إلى أن جاء مروان النقاش الذي أدخل المسرح بشكل رسمي إلى الأراضي العربية بعد عودته من إيطاليا، وذلك في أواخر المنتصف الأول من القرن الثامن عشر، ومن هذا التاريخ انطلقت شمعة المسرح عند العرب، حتى وصل إلينا اليوم.
20 دقيقة/خالد الشادلي