اللغة العربية والإعلام المغربي نحو علاقة ودية !

21 ديسمبر 2019
اللغة العربية والإعلام المغربي نحو علاقة ودية !


 

 
1 –  دأبت منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة ( اليونيسكو ) على تنظيم احتفال سنوي باليوم العالمي للغة العربية ، لدورها الجوهري في صون المعارف و نشر المضامين الثقافية في العالم . و قد تقرر أن يكون موضوع هذه السنة هو اللغة العربية و الذكاء الاصطناعي ، حيث ستقام موائد مستديرة  يساهم من خلالها الخبراء و المختصون في هذا الموضوع بالغ الأهمية ، فضلا عن مثقفين و فنانين .. للتعريف بمدى تأثير الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على هذه اللغة ، و الحديث عن حوسبتها و رهانها المعرفي مستقبلا . و لئن كنا نقر بجدية و صدقية هذا الاختيار الحصيف و طابعه الاستراتيجي الراهن ، فإننا سنحاول تسليط بعض الضوء على زاوية محددة من زوايا واقع اللغة العربية في بلادنا ، زاوية الإعلام التقليدي و الجديد . فما طبيعة العلاقة القائمة بين اللغة العربية الفصيحة و وسائل الإعلام المغربية الرسمية : التلفزيون و الإذاعة و الصحافة الورقية و الإلكترونية ؟ و ما العمل من أجل أن تساهم هذه الأدوات التواصلية الفعالة في إعادة الاعتبار للغة العربية ، لغة ماض حضاري مشرق و حاضر متأزم و مستقبل مخيف !؟
2 –  رغم التطور المذهل الحاصل في ميدان وسائل التواصل الحديثة و المواقع الاجتماعية المختلفة ، مازال الإقبال على الوسائط الكلاسيكية ، التي بإمكانها أن تلعب دورا محوريا في تعزيز حضور اللغة العربية و تقويتها و تقريبها إلى المتلقي بسلاسة و نجاح ، مازلنا نتذكر و نحن صغار متابعتنا الجنونية لمسلسلات عربية و أجنبية “بلسان عربي مبين”  ، و كانت تلقى ترحيبا منقطع النظير من قبل الفئات الاجتماعية ،  دون أن يصدر عنها أي شكوى بعدم الفهم أو صعوبة تلقي المحتوى ، و تتبعنا برامج ثقافية رفيعة المستوى تناول فيها مفكرون من العيار الثقيل قضايا الفكر و الفلسفة ، مثل المفكر العربي ذائع الصيت الراحل رشدي فكار .. أما حاليا فأغلب البرامج التلفزيونية المغربية يميل نحو “الترفيه و المنوعات و المسابقات الفنية ” مع ندرة للبرامج الثقافية الرفيعة ، و تحفل شاشاتنا الوطنية بكل أنواع  المسلسلات الأجنبية الطويلة باللهجات المغربية و السورية و المصرية و اللغة الفرنسية .. مع تجنب سافر لعرض أي عمل درامي باللغة العربية الفصحى ، لا بل إن إذاعات و صحفا ورقية و إلكترونية طفقت تذيع و بحماس ملحوظ “نشرات إخبارية” بالدارجة المغربية ، دعك من الحديث عن “الجمعيات و الندوات واللقاءات” التي تخصص مساحة كبرى من “أنشطتها”، لتمكين “اللغة الدارجة” و جعلها أداة مفضلة “للتعلم و نقل العلوم و المعرفة” !
3 –  بصريح العبارة على الرغم من المجهودات الجبارة التي يذلها عمالقة الفكر اللغوي بالمغرب ، و على الرغم من جودة دراساتهم و مؤلفاتهم الغنية بالاجتهاد و البحث الرزين ، فإن اليد الواحدة لا تصفق كما يقال ، إذ لا بد من تعاون كل الأطراف المعنية بإنقاذ اللغة العربية من المصير المأساوي القادم ، فإذا كان البعض يسعى بكل ما يملك من قوة لوجيستيكية و مادية لإقبارها و طي صفحتها إلى الأبد ، فإننا لا نملك إلا أن ندق ناقوس الخطر و نلح إلحاحا على أن تقوم وسائل الاتصال الرسمية على وجه الخصوص ، بإعادة النظر إلى تعاطيها مع المعطى اللغوي دستوريا و وطنيا ، لقربها من المخاطبين و المتلقين للخبر أو المعلومة بكل تمظهراتها . من أجل الوطن و المجتمع المغربي نحن في حاجة ماسة إلى برامج تلفزيونية و إذاعية و صحفية بلغة عربية بسيطة و فعالة ، جامعاتنا و مؤسساتنا و معاهدنا التعليمية مليئة بمثقفين من العيار الثقيل في كل الميادين المعرفية ، قادرين على ملء الفراغ المهول في القطب الإعلامي بشكل خاص . لا بد من العودة إلى الرشد و تخصيص برامج و مواضيع سياسية و اجتماعية و درامية .. جادة بلغتنا الوطنية .
 4 –  يدرك خصوم العربية أن هذه الأخيرة ليست مجرد أداة للتواصل ، و التعبير اليومي عن الذات و المجتمع  بقدر ما أنها رؤية إلى الكون و الإنسان و المجتمع ! يدرك هؤلاء أن العربية سجل حضاري عنيد ، يصون أفضل ما أبدعته البشرية في عصرنا الذهبي في مضمار الفنون و العلوم و الثقافة بوجه عام ، يدرك هؤلاء أن اللغة العربية تملك القدرة الأسطورية على العودة مجددا لتصدح بأرقى أبجديات الفكر و المعرفة .. لكنهم لا يدركون أن معاداة لغة الضاد هي مقدمة “للسقوط العظيم” . نحن أبعد الناس عن التعصب اللغوي أو الديني أو الثقافي ، و ندعو باستمرار إلى الانفتاح على الثقافات الأجنبية و اللغات الفاعلة و المنتجة ، لكننا نعتقد اعتقادا راسخا أن أي أمة لا يمكن أن تضمن لنفسها مكانة تحت شمس التقدم و الازدهار و التنمية خارج لغتها الأصلية

الصادق بنعلال

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

باستمراركم في تصفح هذا الموقع، نعتبر أنكم موافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" أو التقنيات الأخرى المماثلة لها والتي تتيح قياس نسب المتابعة وتقترح عليكم خاصيات تشغيل ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي أو محتويات أخرى أو إعلانات قائمة على خياراتكم الشخصية

موافق

This will close in 0 seconds