تقف اللغة عاجزة في كثير من الأحيان عن تركيب كلماته المعهودة ، ومعها يقف العقل حائرا من هول ما يقع في الوسط المسرحي المغربي، ويكفي للمتتبع لأب الفنون أن يتجول في القاعات المسرحية على قلتها، و الملتقيات والمهرجانات، ليكتشف العبث المسرحي، فالرداءة هي العنوان المسيطر على أغلب العروض المسرحية، بإستثناء بعض الأعمال الجميلة التي تستحق المشاهدة، والتأمل فيها ودعمها؛ لأنها تلتزم بأدبيات اللغة المسرحية؛ بدءا من نص جيد يستوفي شروط الممارسة بحرافية، مرورا بإختيار الممثلين والممثلات بدقة متناهية بعيدا عن منطق الصداقة والقرابة، ووجود إدارة فنية تعلم ما تريد قوله ووصولا الى الجانب التقني من سينوغرافيا و إخراج …
ولعل مسرحية ” أسماء أخرى ” للمبدع محمد الحر، ومسرحية ” النمس” لأمين نسور المشاركين في المهرجان العربي للمسرح الأخير المقام في الأردن خير مثال عن ذلك، فالعملين يعدان من أبرز ما أبدع خلال السنوات الأخيرة، الى جانب أعمال أخرى التي لا تقل إبداعا لمبدعين جادين في الحفاظ على الطابع المسرحي المفعم بقضايا فلسفية كونية وأسئلة وجودية تهم الانسان والإنسانيالشادلي كانت هذه الأعمال المضيئة في سماء المسرح، فهناك مسرحيات تفتقد إلى اللمسة الإبداعية، وهذا يؤثر على الفعل المسرحي.
فالصراع القائم مؤخرا بين وزارة الثقافة والشباب والرياضة والنقابة المغربية لمهيني الفنون الدرامية، فلا شك سيزيد من متاعب المسرح والمسرحيين، وإن كان يعتبرها البعض فرصة للتأمل في وضعية المسرح ببلادنا، فحسب الباحثين في المجال المسرحي الذين أكدوا أن وثيرة الإنتاج المسرحي حققت قفزة مهمة خاصة في العقدين الأخيرين، لكن السؤال الذي يطرحه أهل الاختصاص هو: هل هذا الإنتاج فعلا ساهم في خلق حركة المسرحية أدت الى تطور المسرح على جميع الأصعدة، أم هذا الانتاج لا يعدو سوى أرقام تتداول، فالجواب على هذا السؤال سيكون بالنفي، بمعنى فقط أرقام تتداول ،وهدر لميزانية الدولة، وهذا بادي للعيان فمشاكل المسرح الكبيرة والمستعصية عن الحل على أقل الى حدود اليوم.
فالمجتمعات التي تحترم مشاهديها لا تهتم بالكم، بل بالكيف، – ممكن أن نتتج أكثر من مائة عرض مسرحي خلال السنة، و نفشل في تربية النشء على ثقافة مسرحية وذوقية-، فأغلب الجمهور المغربي ليست له ثقافة الفرجوية المفعمة بنظرة الجمالية، فمنهم من يشاهد عرض مسرحي بعقلية كرة القدم ،علما أن المسرح فرجة هادئة تأملية جدالية بين العرض والجمهور، بل المسرح في الأصل هو عملية تطهيرية، كما قال أرسطو في كتابه ” فن الشعر”.
فالممارسة الثقافية والفنية والمسرحية على العموم، ممكن أن تجعل الدولة منها صناعة فرجوية مدرة للدخل، ولا سيما أن أغلب الفنانين في المجال المسرحي لا يتوفرون على دخل قار، وهذا يأزم وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، وهذا راجع بالأساس حسب العارفين بخبايا المسرح إلى طريقة الدعم المقدم من طرف الوزارة الوصية الذي لا يراعي تكافئ الفرص بين المسرحيين، بالإضافة الى ضعف التسويق التجاري للمنتوج المسرحي بشكل يضمن عروض قارة، فضلا على ضعف التكوين المسرحي بشكل يتيح للطلبة الإلمام بالحياة المسرحية حتى يسهل عليهم الاندماج بسرعة، وهذا ماجعل بعض خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي يفضلون السينما والأعمال التلفزية عن المسرح، بالإضافة إلى ذلك، نذرة البحث الأكاديمي داخل الجامعات المغربية، وهذا ما جعل أبو الفنون لم يرقى بعد إلى ما يطمح إليه الجميع.
فرغم أن الوزارة المعنية بتدبير قطاع المسرح تخصص أموال باهظة تقدر بمليارات سنتيمات أو ما ينف، منذ حكومة التناوب الذي ارست قواعد الدعم إلى يومنا هذا، فالنتيجة كانت عكسية وساهمت في تكريس الريع،والمحسوبية والزبونية… ومنطق الربح على حساب الفن والجمال، فأغلب العروض المسرحية بعيدة عن حرافية ومهنية، ومواضيعها تافهة فغاياتها هو إضحاك الجمهوربكل الطرق، مع العلم أن المسرح الحقيقي هو القادر على مناقشة قضايا فلسفية ذات طابع كوني تساهم في خلخلت فكر المتلقي، وإن كانت حتى القضايا المحلية لها وقع، لكن شريطة بعدها عن الإسترزاق ، والذي على مايبدو أصبح العنوان السائد في زماننا المسرحي، إلا بعض الأعمال التي تعطينا أمل بأن المسرح ببلادنا بخير.
فجميع مطالب بوقفة تأملية صادقة بعيدا عن التطاحن النقابي التي ابتليت به الساحة المسرحية، فكثرة الإطارات النقابية الفنية تفسد النضال، وهو ما واقع مؤخرا ، بين الوزارة المعنية التي أصدرت مؤخرا بيان رد على النقيب مسعود بوحسين رئيس النقابة المغربية لمهيني الفنون الدرامية الذي بدوره رد على تصريحات منسوبة للوزير عبيابة الذي صرح في إحدى الجلسات البرلمانية بأن هناك عروض تعرض أمام كراسي فارغة، وهذا ما يحعلنا نفكر في إعادة النظر في الدعم، لكن هذه المشادات الكلامية لا تخدم الممارسة المسرحية في المغرب.
فالحلول الحقيقية لقطاع المسرح هو احياء قرار الحسن الثاني الذي دعا الى بتخصيص 1% من ميزانية الجماعات المحلية لدعم المسرح، خلال مناظرة 1992، فالممارسة المسرحية فعل مجتمعي يهم جميع مؤسسات الدولة، لذا وجب على جميع الإطارات النقابية والوزارة المعنية تحكيم العقل والمنطق من أجل إيجاد صيغة للدعم يستفيد منه جميع الممارسين خاصة المتفرغين، بعيدا عن منطق الصداقة أو الزوبونية، والحسابات النقابية الضيقية التي لا شك فيه ستفسد ما بني سلفا.
المسرح قاطرة من القاطرات الحقيقية لبناء مشروع تنموي مثين وقوي.
20دقيقة/خالد الشادلي