فوائد الصّيام في زمن الكورونا.

2 مايو 2020
فوائد الصّيام في زمن الكورونا.

الدكتور:عبدالعزيز محمد صغير الجرادي

يحلّ علينا شهر رمضان المبارك في ظروف استثنائيّة وبنكهة لم نتعوّدها من قبل في ظلّ تفشّي وباء كورونا وتأثيراته المباشرة على حياة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء المعمورة، فكثير من البلدان ومنها العربيّة والإسلامية هي في حالة طوارئ وإغلاق، والعديد ملزمون بالحجر الصحّي والتّباعد الاجتماعي ومنع التجمّعات لقطع سلسلة العدوى ومحاولة كبح سرعة انتشار الوباء وهو ما يبرّر غلق المساجد ومنع صلوات الجماعة ضمن حزمة الإجراءات الوقائية المتّخذة.

غير أنّ بعضهم استغلّ الفرصة ليناقش فرضية إبطال ركن الصّيام لدواع صحّية ونتيجة للظّروف الاستثنائية الطّارئة الّتي نعيشها، ليتساءل البعض عن مدى تأثير الصّيام علينا في زمن الكورونا وهل يضعف من قدرتنا على التصدّي للوباء أم إنّ العكس صحيح؟

الصّوم والمناعة:
الصّوم ترويض للجسد وتهذيب للنّفس، فوائده الجسدية والنّفسية متعدّدة ومعلومة وما زال العلم يكشف لنا المزيد منها، وتخصّ الكبد بالخصوص، ، المعدة، القولون ،الكلى، الغدد، المفاصل، القلب والأوعية الدّموية، الجلد، الوقاية من الأورام، السكّري، النّقرص، الجلطات بأنواعها وكذلك جهاز المناعة. يقوّي الصّوم جهاز المناعة في الجسم ليقيه من أمراض عدّة ويرفع من مستوى جهوزيّته ويحسّن دفاعاته ليواجه العناصر الفيروسيّة أو البكتيريّة أو الفطريات الخارجيّة المهاجمة.

يناقش البعض إمكانية الإفطار في شهر رمضان ويبحثون في ذلك عن عذر ورخصة في حين يعتبرون أنّ الأعمال التلفزيونية الّتي تعدّ للعرض خلال نفس الشّهر من المقدّسات والمحرّمات حتّى ولو كانت سببا لتفشّي الوباء وحصول الكارثة
يتحسّن بفضل الصّيام المؤشّر الوظيفي للخلايا اللّمفويّة عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النّوعية بصفة واضحة، وترتفع نسبة بعض أنواع الأجسام المضادّة، وتنشّط الرّدود المناعيّة نتيجة لزيادة نسبة البروتين الدهني منخفض الكثافة. وزيادة عن ذلك فإن الشحنة الرّوحية الّتي يولّدها الصّيام في شهر رمضان تنتج طاقة إيجابيّة ومناخا من الرّاحة النّفسية ممّا يدعم الجهاز المناعي ويجعله في قمّة الاستعداد لمواجهة أيّ تهديد خارجي.

فوائد الصّيام لا تحصر ولا تعدّ وكانت موضوعا لأبحاث العديد من العلماء، يقول “ماك فادون” أحد علماء الصحّة الأمريكيين: “إنّ كلّ إنسان يحتاج إلى الصّوم وإن لم يكن مريضا لأنّ سموم الأغذية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض فتثقله ويقلّ نشاطه فإذا صام خفّ وزنه وتحلّلت هذه السّموم من جسمه وذهبت عنه حتّى يصفو صفاء تامّا ويستردّ وزنه ويجدّد خلاياه في مدّة لا تزيد على 20 يوما بعد الإفطار، لكنّه يحسّ بنشاط وقوّة لا عهد له بهما من قبل”.

أمّا البروفيسور الرّوسي “نيكولاي بيلوي” فيقول في “كتابه الجوع من أجل الصحّة”: “إنّ على كلّ إنسان أن يمارس الصّوم بالامتناع عن الطّعام لمدّة أربع أسابيع كلّ سنة كي يتمتّع بالصحّة الكاملة طيلة حياته”. وقد لخّص الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم كلّ ما ذكر في كلمتين اثنتين: “صوموا تصحّوا”. وبالرّغم من فوائد الصّيام الجليّة على الصحّة الجسدية والنّفسية في الظّروف العادية أو الاستثنائيّة والّتي من الممكن الاستعانة بها في مقاومة الجائحة فان البعض يروّج لبعض مضارّه بغير سند علمي أو دليل، معتمدين على بعض ما استنتج ممّا نعيشه من ظاهرة لم تكشف بعد عن كلّ أسرارها، فيقولون مثلا بضرورة إبقاء الحلق رطبا بالسّوائل الدّافئة وتقوية الجسم بالتغذية وبعض الفيتامينات تناغما مع ما تبثه
بعض وسائل الإعلام
وهم في محاولات مستميتة لإيجاد منفذ شرعي لإبطال الرّكن دون جدوى في أمر حسم منذ قرون من فوق سبع سموات: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)”. (سورة البقرة).

أطردتنا كورونا من بيوت الله ودفعتنا إلى ملازمة بيوتنا لكنسها وإصلاحها وتطهير أنفسنا ليسمح لنا بالعودة إليها، وهي من منحت لنا الفرصة لترتيب أولويّاتنا وتعديل أوتارنا وتغيير إيقاع حياتنا والتحرّر من عبوديّة معاصرة في عصر يزداد توحّشا وهي نداء لأن نتصالح مع فطرتنا ودعوة لاستعادة إنسانيتنا. وها هي تتيح فرصة صيام رمضان كما ينبغي ويجب أن يكون، تهذيبا للجوارج وتزكية للنّفوس. قد يبدو للبعض أنّ ما يجري أنّه كارثة، محنة ونقمة لكنّه في حقيقته فرصة للإصلاح، منحة ورحمة. أعاننا الله وإيّاكم على حسن صيامه وقيامه وأخرجنا منه في حال أفضل ممّا كنّا فيه.

الدكتور:عبدالعزيز محمد صغير الجرادي
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

باستمراركم في تصفح هذا الموقع، نعتبر أنكم موافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" أو التقنيات الأخرى المماثلة لها والتي تتيح قياس نسب المتابعة وتقترح عليكم خاصيات تشغيل ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي أو محتويات أخرى أو إعلانات قائمة على خياراتكم الشخصية

موافق

This will close in 0 seconds