طارق مرحوم …في يومها العالمي: حال الفصحى بين العرب والعجم

18 ديسمبر 2020
طارق مرحوم …في يومها العالمي: حال الفصحى بين العرب والعجم

بلغت اللغة العربية منصة الاعتراف العالمي يوم 18دجنبر 1973، حيث أقرت الأمم المتحدة لسان الضاد لغة معتمدة بعد طلب من المغرب و السعودية بإدراجها تحت سقف اللغات العالمية، ومنذ ذلك الحين، شكل شهر دجنبر محطة للحديث عن أحوال هذه اللغة التي تأرجحت بين الظهور و الضمور، تبعا لحال قومها الذين آمتطوا صهوة الرفعة الحضارية قبل أن يصيروا في ذيل القافلة.


إن البيان هو من تمام خلق الله للإنسان، والبيان معناه الإبانة عن الشيء و الإفصاح عنه بأدق التعابير و أفضل الأساليب، وبذلك تفوق الإنسان عن الحيوان، حين تفنن في ضروب التعبير وأنواعه من شعر و نثر و خطابة، ونوع أدوات التواصل حيث عبر باللون و الرسم والإشارة، ولا زال يبتدع في ذلك حسب تطورات العصر و مستجداته، عكس الحيوان الذي يعيش على إيقاع تواصل نمطي صرف لا إبداع فيه، ولذلك من الله تعالى على الإنسان بنعمة البيان(خلق الإنسان علمه البيان) فاللغة ملمح حضاري و اجتماعي وسياسي وثقافي، فهي هوية الأمم، ورمز السيادة، ولذلك كلما تسلق بلد علياء التقدم الاقتصادي إلا و تسيدت لغته عرين الألسن، وصارت سمة على التقدم، إلى درجة أن جاهلها يتصنع منها كلمات عله يحضى بآعتراف آجتماعي يقر له آنتماء طبقيا وفكريا معينا.


تشهد مفردات اللغة العربية على أوج الحضارة العربية، فالقزحية و القرنية وغيرها من الكلمات لا تزال ناطقة بشموخ هذه اللغة، لكن مد البصر يكشف أن السفر في أديمها تعوقه كثير من المفاوز، ويشهد عديد الإشكالات، ذلك أنها تعيش غربة بين أهلها، بعد تقهقر أممها.


لقد صار من دواعي الحبور أن نجد اليوم لسانا فصيحا وسط العرب، ومتحدثا عصم كلامه عن اللحن والعطب، أمام زخم اللغات الأجنبية التي تجد لها إقبالا كثيرا، ودعما وفيرا، فكثيرة هي المعاهد و المؤسسات التي تلقن أجيالا يطلبون لسانا أجنبيا بشغف، يمكنهم من فرص عمل أوفر، و إمكانات تعلمية أكثر، في حين تنذر إلى حد كبير، معاهد تعيد للألسن العربية آستقامتها على قواعد النحو، وبراعتها في رسم المعاني الحسان، وإذا كانت اللغات الأجنبية تتغذى من الوضع الاقتصادي المتقدم لدولها، فإن اللغة في الآن ذاته تعاني خطر اللهجات العامية التي آقتحمت الفصل الدراسي في مختلف أسلاكه، من التعليم الابتدائي إلى العالي، فحتى المدرسة أضحت تابعة للمجتمع لا موجهة له، وصارت الأجيال متلقية للهجات أكثر من تلقيها لخطاب عربي فصيح، وزاد من الوضع تأزما، المسلسلات و الأفلام الأجنبية المنقولة إلى اللهجات العامية، ما ضيق الرصيد اللغوي العربي لدى الناشئة، وجعل نسج جمل فصيحة خالية من الخطإ، أمرا عسيرا لدى الكثير منهم، وبذلك تعيش اللغة العربية حالة آغتراب بين أهلها، حين يتواصل العربي آفتراضيا و في مواقع التواصل الاجتماعي مع الآخرين بحرف لاتيني، أو بحرف عربي طوعه وجعله خديم لهجته العامية.


إن العالم اليوم معقد إلى درجة أن الاقتصاد قد يتوسل اللغة من أجل التمكن من أسواق كثيرة، وإن اللغة تتبختر مدللة في دول قوية آقتصاديا، كما أن التعامل التجاري قد يصير وسيطا ممهدا لتألق وآنتشار لغة في بلد معين، وهذا ما وقع للغة العربية في بلد الصين، فلقد وطئت أقدام العرب الصين تجارة، ما جعل تواصلهم مع الصينيين محتوما، قبل أن يستقروا بها، لتتأسس أقلية عربية و مسلمة في الأراضي التابعة لنفوذ بيكين، وتراكم التواصل و قوي الاندماج، إلى أن صارت اللغة العربية اللغة الأجنبية الأولى في الصين، ويشهد تحصيلها إقبالا متزايدا من لدن الصينيين، كما ساهمت أحداث سياسية فارقة في التعرف على ثقافة العرب و المسلمين عبر بوابة اللغة العربية، ما أسس معاهد و مراكز كثيرة لدول غير عربية، صارت بعثاتها الدبلوماسية متقنة للغة العربية، كما هو الحال في روسيا و الصين وإنجلترا، وتم إقحام اللغة العربية في محطات إعلامية عالمية فرنسية وروسية وأمريكية وصينية وتركية…..


إن اللغات مجال خصب للتناقح و التثاقف، وهي عنصر حاسم في دراسة المجتمعات ومحاولة فهم مكنوناتها، وبذلك فإن اللغة العربية وإن كانت غير مطلوبة بشكل كبير من أهلها، فإنها لدى كثير من الأجانب مرغوبة فيها لعديد الأسباب، وهنا لا يمكن أن ننكر دور الإسلام في حفظها وآنتشارها، فبمجرد أن يعتنق الإنسان الإسلام يجد نفسه مدعوا إلى قراءة وفهم القرآن، ليمهد ذلك له الطريق إلى إتقان الإبانة بحرف الضاد لما يملكه من قوة رسم المعنى، ليلتحم الإيمان بفصاحة اللسان، كما آلتحم خلق الإنسان بالبيان في آية القرآن(خلق الإنسان علمه البيان).

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

باستمراركم في تصفح هذا الموقع، نعتبر أنكم موافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" أو التقنيات الأخرى المماثلة لها والتي تتيح قياس نسب المتابعة وتقترح عليكم خاصيات تشغيل ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي أو محتويات أخرى أو إعلانات قائمة على خياراتكم الشخصية

موافق

This will close in 0 seconds