ارتبط مصطلح الجودة بالمجال الاقتصادي، حيث تطبق معايير صارمة على المنتج حتى يصطبغ بوصفه جيدا ذا جودة، وبعد ذلك انتقل إلى الخدمات، حيث إن الزبون في لحظة الجودة، تصله الخدمة وينالها في أحسن الظروف وتلبي حاجته بأكبر قدر من الإشباع، ولعل تحقيق الجودة فيما هو مادي صرف سهل المنال، لكون الصانع أمام مادة يجب أن يسقط عليها معايير واضحة متفق عليها، لكن نقل هذا المفهوم إلى مجالات معقدة يتداخل فيها ما هو معرفي وسيكولوجي واجتماعي، يجعل من المهمة صعبة أمام الوقع الاقتصادي الذي يرخي بظلاله على تفعيل الجودة في التعليم، حيث إنها تمتد إلى تأهيل الفضاء المدرسي، بما يضمن جاذبية نفسية قبل الاندماج في أنشطتها و ما تقدمه من عرض تربوي، وإلى عدد من المتعلمين مقبول علميا بما يسمح بتفاعل نفسي واجتماعي أفقي بين التلاميذ، وذلك العمودي في علاقتهم بمدرسهم، وإلا جثم الاكتظاظ على لحظة التعلم، فأفقد التلميذ حظه في التفاعل الإيجابي، ورمى به في لحظة انفعالية خارج زمن التعلم وإن كان يغشى مكان التمدرس.
إن تجويد التعلمات أو ما يسميه البعض بالرفاه التعليمي، هو طبقة ومرقاة رفيعة في تحصيل المعرفة، لكون الجودة تشكل وقفة تساؤل تمتد بأسئلة مصيرية للرقي من فعل التمدرس إلى فعل التحصيل النوعي، فزمن التعلم في منطق الجودة، لا يعني كون المتعلم موجودا في القسم، وإنما تسائل مدى انخراطه في الأنشطة الصفية بفعالية، ومدى تحقيقه لطفرة معرفية بعد سنة دراسية، وهنا تقف الجودة محاكمة المقررات التعليمية ومدى انسجامها مع الخصوصية النفسية والسوسيولوجية للمتعلم، كما تسائل نوعية المدرس وكفاءته، ومدى جاذبية مهنة التدريس من حيث الوضع الاقتصادي لممتهنها، وبذلك فإن لحظة تجويد التعليم لحظة رهيفة، تقع تحت وطأة عوامل يستأسد فيها الجانب الاقتصادي، لكن المتأمل يجد بأن مستويات تعليمية رفيعة تحققت لمجموعة من المتعلمين يعيشون في مناطق التوتر والحروب، وبذلك فإن عنصر الإرادة ينضاف إلى المنطق الاقتصادي، ليفرزا معا تعليما فعالا، وليس مجرد مدارس عبارة عن شركات منمقة ظاهريا، وجوفاء من الداخل. الأستاذ : طارق مرحوم