فاطمة الزهراء العمراني
عجبا لذلك الصديق الجامد، الذي لا ينطق بكلمة إلا بلمسة منا. كيف لهاتف ذكي أن يختزل أجمل سنوات حياتنا و يحصر ذكرياتنا، التي لم نعد نصنعها، أساسا، في شريحة صغيرة ؟ إنه، فعلا، ذكي. فقد إستطاع أن يمتلكنا ويأخذ منا وقتنا وعمرنا ويخرجنا من عالمنا الكببر ليدخلنا في عالمه الوهمي الصغير. بالفعل، أصبحنا وهميين، مجرد صور ملتقطة وفيديوهات مركبة تظهرالجانب السعيد والجميل منا. هي أشياء لا تمثلنا في الأصل. حتى أنت لا تصدقك نفسك حين تعيد النظر مرارا وتكرارا في صورك المصنوعة فتمدحها بحب وإعجاب،على غرار المرٱة التي لا تطيق النظر إليها لأنها تعكسك كما أنت دون إضافات أو ما يطلق عليه “الفوتوشوب” . كم أصبحنا مزيفين دون ذكريات حقيقية نرويها لأحفادنا!
في السابق، كانت هناك حياة وضحكات ولحظات مشتركة بين الناس والأهل. كانت الجلسات مليئة بالقصص الحقيقية التي عاشها الإنسان والمغامرات التي خاضها،حتى الكتب والمؤلفون الذين قرئ لهم بلا عد ولا حساب .
من منا حمل كتابا فقرأه في زمننا هذا؟ من منا أهدى كتابا هدية فتمت قراءته ؟ الجواب: إنها فئة قليلة فقط.
سابقا، كنا نقول إن الكتاب هو المؤنس الوحيد للإنسان.أما الٱن فنقول إن الهاتف الذكي هو المؤنس، مرافقه الوحيد.
والذي بدوره يعتبر من أهم أسباب تراجع القراءة في العالم،التي أصبحت تحتضر وتندثر ، إذ أصبح العزوف عن القراءة مشكلة عويصة يواجهها المجتمع. كيف لنا أن نبني مجتمعا مثقفا وواعيا في غياب أهم ركيزة ألا وهي القراءة، التي هي مركز الوعي في المجتمعات ونماء العقول وبناء جيل متوازن خلوق و مثقف؟
كشفت دراسة بريطانية أن عدم قراءة الكتب يجعل الإنسان أكثر عُرضة للإصابة بخلل في قدراته الذهنية، مما قد يعرضه للبله. وهذا أمر طبيعي ورد فعل طبيعي. فالدماغ يعطيك بقدر ما تعطيه. فكيف للدماغ أن يشتغل ويفكر ويتغذى والإنسان لا يقرأ، لا ينميه بالمطالعة و يجعله محصورا بين الهاتف والألعاب والصور؟
لقد نجح هاتف صغيرمن صنع الإنسان في حصرنا في عالم ضيق والإغلاق علينا داخله بإحكام!
جميل جدا