بقلم هناء كندري : كوتش: أطفال – مراهقين علاقات زوجية –وساطة و ارشاد اسري
كنت في صدد التحضير و البحث في كنوز هذا الشهر الفضيل بعنوان رمضان و التغلب على كورونا، و معلوم أن رمضان شهر الرحمة و التسامح و العتق لكن أين كل هذه الصفات؟ أين هي الرحمة مع العنف القائم في ظل هذا الحجر المنزلي على أغلبية النساء و الأطفال لا سيما و نحن ننتظر الرحمة من الله لكي يرفع عنا هذا الوباء لكن الشرط في الرحمة أن ترحم أنت الأول” ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” اذن ماذا سيبقى من طقوس هذا الشهر الفضيل مع الضرب و الجرح و الشتم و السب و نحن نعلم أن في هذا الشهر المبارك تعم السكينة و الراحة و الطمأنينة.
بأي حال سنقضي رمضان و كيف سيمر في ظل هذه الظروف التي من المفروض أن نكون فيها أكثر تلاحما و أكثر تضامنا و أكثر تعاطفا.
هذا الحجر الصحي و حذر التجول وضع آلاف النساء أمام احتمالية أو حتمية تزايد العنف المنزلي و ارتفاع في عدد الحالات المعنفة حيث نجد الزوج يعنف زوجته – الأب يعنف أبناءه – الإبن الذي يتعاطى للإدمان يعنف أمه – الأخ يعنف أخته….وغيرها من أنواع العنف.
الدوافع المسببة للعنف
الحجر: هو وضع جديد و غريب على العائلات المغربية، ما يعني أن بعض الافراد و جدوا صعوبة في التعامل معه والذي اطلقوا عليه “السجن القاهر” فتواجد هذه الأسر في مساحات مغلقة و لفترات طويلة وجها لوجه بعدما كان الأب يتجه للعمل والأبناء يذهبون للمدرسة و الأم تنشغل بأعمالها أو بزيارة الأحباب للتفريغ من مشاق الحياة و أن خروج الزوج والأبناء يتيح لها متسع من الوقت لتنظيم مشاغلها و تلبية حاجياتها اليومية حتى أصبح الآن الكل عاطل و في احتكاك و الكل يعاني الملل و الروتين الذي بدوره يولد المشاعر السلبية و التي بدورها تولد أفكار سلبية مما ينتج عنها أفعال سلبية و بالتالي ردة فعل غير مرضية تولد العنف.
المشاكل الاقتصادية هي الأخرى لها القسط الأكبر في هذا العنف، وكل هذا الضغط الاقتصادي و الضغط النفسي يتحول الى عنف نفسي و جسدي على حد السواء ضد العنصر الضعيف و هو المرأة و الأبناء و اللذين أصبحوا أداة لتفريغ الضغط و مشاعر الغضب لا سيما و أن الأطفال في سن معينة يكون لديهم حقهم في اللعب و الحركة و مختلف الأنشطة لانهم في فترة النمو و تنمية الذهن و الفكر و الذكاء و الذين هم ضحايا لممارسة العنف عليهم مع العلم أنهم لا يدركون الوضع الذي نعيشه.
فظاهرة العنف المنزلي زادت و بشدة في فترة الحجر الصحي أدت الى جروح عميقة – إعاقات أو حتى حالات وفاة بسبب العنف الممارس إثر هذا الحجر.
و كلنا سمعنا عن الطفلة التي توفت في إحدى الدول العربية إثر العنف الممارس عليها من طرف الأب.
التدابير المتخذة
رغم توجه كثير من الجمعيات برسالة لوزارة التنمية الاجتماعية و للسيد وزير الصحة من أجل وضع قانون لتجاوز هذه الظاهرة و الطلب بعدم التساهل و التسامح بشأنها و رغم وضع الرقم الأخضر للتواصل مع النساء المعنفات لتلقي الشكايات إلا أن الكثير من النساء تعيش حالة الخوف و الرعب و الصمت و عدم القدرة على البوح زيادة على الجهل.
و نحن بصفتنا مرشدين أسريين و في مجال الوساطة و منتمون لجمعيات نسائية و رغم أن هذه الجمعيات مغلقة الأبواب في هذا الحجر إلا أننا ولله الحمد هواتفنا مفتوحة للجميع واستطعنا التواصل عن بعد و تلقينا الكثير من الشكايات من منازلنا و نعمل على التواصل مع النساء داخل و حتى خارج المغرب و نعمل على مواكبتهم و دعمهم ومحاولة التخفيف من معاناتهم و نعمل على استرجاع الاستقرار النفسي و لو مؤقتا و نصل معهم لمناهج تجعلهم يتغلبون على هذا الوضع لاجتناب العنف القائم.نتمنى من المسؤولين أن لا يأخذوا هذا الموضوع باستهانة، لأنه في ظل هذه الظروف العصيبة التي نعيشها زيادة على تصدع الاقتصاد بسبب هذه الجائحة و تصدع بعض الأسر ولا قدر الله انهيارها يزيد من تعقيد الأمور .
كورونا هي جائحة مرضية و قد تتحول الى جائحة اقتصادية رغم اننا نتفاءل خيرا، يجب ألا نسمح لها أن تتمادى لتتحول الى جائحة أسرية لأنه إذا وقع سيكون دمار شامل .
أقول كما أن هناك قوانين صارمة صدرت في ظل هذه الجائحة و كانت استجابة وطنية و التزام قوي فلابد أيضا النظر و بشدة و بحزم في هذا العنف القائم كما هو الحال في باقي الإجراءات الصارمة . و نحاول أن لا نكون معالجين إطفائين حتى تقع المشكلة و تشتعل النار بعدها نتدخل للإطفاء و بالتأكيد تكون هناك خسائر فلا بد أن نقف على أسباب هذا العنف فمعرفة الداء هو نصف الدواء.
الاسباب
هذا العنف أكيد نتاج لأسباب عديدة
-أول سبب و أعمق سبب هو نتاج لأمراض نفسية تتفشى في المجتمعات و تكون خلاصة النظرة الدونية للأنثى و العيش في قانون الغاب، القوي يغلب الضعيف و التي تكتسب و للأسف من التربية الوالدية الخاطئة .
-عدم الخروج للشارع العام الذي كان يغير من الروتين اليومي و يمتص الغضب سبب في ركام وضغط نفسي الذي يفجره القوي على الضعيف.
-انعدام مهارة التواصل و التعامل مع الطرف الآخر لا سيما و أن الأساس يعني أساس العلاقة الزوجية قد يكون قابل للانهيار في ما قبل الحجر .
-ضغوطات اقتصادية التي أدت بالكثير من الأسر إلى التوقف عن العمل فمنهم من أقفل محله التجاري ومنهم من توقف مورده اليومي و مصدر رزقه .
-هناك من هو منشغل بالمستقبل و يسيطر عليه الخوف و الرعب و القلق الذي بدوره يعطي تراكمات نفسية تترجم الى عنف نفسي و جسدي و الذي يعمل على تفجيره في العنصر الضعيف. -طول البقاء وجها لوجه و لمدة طويلة مع انعدام مهارة التواصل و التعامل أكيد ستنتج عنها محاككات و مشاحنات تنتهي بممارسة العنف .
فأغلب الحالات التي نتواصل معها حاليا عبر الواتسب أو السكايب أو الزوم من النساء المعنفات أكدن انه مطلوب منهن استجابة عالية لتلبية جميع احتياجات الأسرة دون عياء او تأفف في ظل هذه الظروف و أكدن أنهن يتعرضن لضغط يومي كبير و في حالة عدم قدرتهن على تلبية مختلف الطلبات و بالشكل الذي يريده الزوج يتعرضن مباشرة للعنف .فلنتحد جميعنا لمناهضة العنف القائم في ظل هذا الحجر المنزلي .
الحلول
–أول حل هو تقبل الوضع الجديد الذي يعيشه العالم و الوعي بأن جائحة كورونا وباء عابر و سينسحب فلا نسمح له أن يسحب معه اقدس و اشرف علاقة،
– وضع قوانين صارمة و معاقبة كل شخص لم يلتزم و مارس العنف على الطرف الضعيف كما هو الشأن في جميع القوانين و التدابير المتخذة ليكون عبرة لغيره
– حسن التواصل و التعامل ويكون حوار بناء مبني على الهدوء ومبادلة النقاش بأسلوب لائق بعيدا عن المشاحنات الشاذة و الاهانات و السب و الشتم و الضرب .
– محاولة بناء علاقة أساسها التقدير و الاحترام بتطبيق القاعدة احترم تحترم..
-لا بد ان تكون لنا مرجعيتنا الدينية و الحضارية بصفتنا مسلمين و نكون أكثر محبة و أكثر وئام و نقتدي بأحسن و افضل قدوة في تاريخ البشرية صلى الله عليه و سلم وكيفية تعامله مع زوجاته و أبنائه و الذي كانت آخر و وصاياه “أوصيكم بالنساء خيرا”و “ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم” لما لهذه المرأة من دور عميق في بناء الأسرة و المجتمع.
– نحن مهددون و في أي وقت بالإصابة بهذا الفيروس و مفروض ان نكون أكثر تضامنا و أكثر تلاحما و نخاف على بعضنا البعض، فالمغاربة برهنوا على مدى تعاونهم و تضامنهم و تعاطفهم اكثر من أي وقت مضى وبشهادة العالم، و هدفنا واحد هو الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر و نحن أقوى، فما بالنا بأقدس و أشرف علاقة تجمع الانسان و التي أساسها المودة و التراحم لا الضرب و الجرح و التعسف.
التلاحم الأسري مع الحجر الصحي
لابد أن تكون لنا عودة نحو السكينة و الأمان و الاستقرار لنكون أكثر تضامنا و نتغلب على هذا الوباء و الذي توصل الأطباء و المختصين أنه يقاوم بارتفاع مناعة الجسم، والتوتر و القلق والمشاحنات اكبر مدمر لمناعة الجسم،
نبقى دائما في الحلول و لا ننكر التلاحم الذي برهنت عليه الكثير من الأسر المغربية في ظل هذا الحجر المنزلي و الذي استغلته بنظرة إيجابية و عبر عليه الكثير في مواقع التواصل الاجتماعي كمساعدة الزوج لزوجته في مشاغل البيت و داخل المطبخ و تقاسم كل أدوار البيت و هذا هو الأصل،
و أسر تمارس الرياضة و بقيادة الأب لتغيير الروتين وتفادي الملل و تنشيط الفكر و الذي بدوره يقوي مناعة الجسم و تجعل الشخص أكثر إيجابية ومهيأ للتصدي لجميع المؤثرات الخارجية و التغلب عليها،
القيام بكثير من الأنشطة مع الأطفال الذين هم بحاجة ماسة لهذه اللمة وهذا الدفء الأسري كخلق ورشات الرسم و الابتكار وبأدوات بسيطة جدا ومتواجدة في كل بيت و العمل على البحث على المواهب و المهارات الخامدة التي لا بد من التركيز عليها فيما بعد الحجر وهذا كله يساهم في تنشيط الفكر.
فتحية خاصة لهذه الاسر التي أصبحت في هذا الحجر أكثر تلاحما و أكثر انسجاما و لديها وعي كبير بأن كورونا حتما ستنسحب و الحياة ستعود لطبيعتها وأحسن مع ترتيب الكثير من الافكار و الاولويات.
الوقاية
تكلمنا عن الحلول لكن ربما قد تكون مؤقتة مع قلة الوعي فلا بد من البحت عن الوقاية لأنها خير من العلاج
–ومفتاح السر هو الوعي، فكلمة وعي بحد ذاتها مدرسة و بمستويات.
-لابد الاشتغال على حملات إعلامية مكثفة لنشر الوعي بأن العنف هو أكثر خطورة من وباء كورونا الذي يهدد الاسرة و المجتمع على حد السواء وذلك في جميع مواقع التواصل و على جميع القنوات كما هو الشأن الآن في الحملة التوعوية و المكثفة عن كيفية الوقاية وأخذ الحيطة و الحدر و المساهمة في محاربة فيروس كورونا.
-تغيير ثقافة مسلسلاتنا المغربية و التي تؤثر بشكل كبير على منهجية تفكيرنا و قناعاتنا و التي مضمونها أن المرأة هي العنصر الضعيف المنكسر المغلوب عليه
-لم لا أن تخصص القنوات التلفزية برامج أو وصلات تحسيسية تدعو الى الاقتداء بدين الفطرة و اتباع منهج رسولنا الكريم و سيرته في التعامل مع زوجاته و أبنائه و حسن التواصل مع كل من يحيط به و الذي بمعاملته و أخلاقه و تسامحه غير مجرى التاريخ لصالح الخير و المحبة و السلام و معاملته صلى الله عليه وسلم كان لها أثر كبير في تأليف القلوب و المحبة و الإخاء، و هذا اكثر ما نحتاجه في هذا الوقت .
و بصفتي استشارية أسرية و بحكم تجربتي و تواصلي مع كثير من النساء المعنفات توصلت لنتائج مرضية أساسها الحوار البناء و النقاش الهادئ و تجنب كل النقاشات الحادة التي تهيج هرمون القلق و التوتر و الذي يولد العنف إضافة الى مهارة التجاهل و التغافل و التي تكتسب بالتدريب و لها آثار إيجابية كبيرة و تساهم في تفادي الكثير من المشاحنات التي لا تجدي، زيادة على التغلب على الفراغ و ملء الوقت بما يفيد في هذا الحجر له آثار إيجابية،
لكن الوقاية الحقيقية و التي لابد لها من دراسة هو كيفيه الحد من هذا العنف القائم قبل الحجر لأن الحجر هو سبب بسيط جدا من بين أسباب كبيرة و المتعددة.
ونختم ومن هذا المنبر الذي هو منزلي أوجه نداء لإنشاء مراكز تأهيل المقبلين على الزواج و يكون هدفها تنظيم دورات توعوية وإنجاز دراسات معمقة على مؤسسة الزواج و العلاقة الزوجية و تأهيل الأسر لتبني مناهج وفن التعامل والتواصل مع الطرف الآخر إضافة إلى التعريف بأسرار التربية الناجحة للأبناء و التي يفتقدها الكثير من الأزواج داخل المجتمع وكذا العمل على برمجة العقل على التخلص من كل الركم و العقد النفسية والاعتقادات الخاطئة والتي هي أساس هذا العنف القائم و العمل على تسوية الأفكار بكل ما هو إيجابي و تكوين نظرة إيجابية للحياة،
و بعد تلقي كل هذه الدورات التي تساعد على تنمية و تطوير الذات يتم القيام باختبار الطرفين و العمل على تقييم مدى تأهيلهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية و بالتالي نجاح العلاقة الاسرية،
فهذه المراكز ستعمل على حل الكثير من المشاكل ليس على الأسرة فحسب بل في كثير من المجالات، وهذا بالتأكيد سيعود بالنفع على الأسرة والمجتمع بصفة عامة.