أركان الصيام
لكلّ عبادة من العبادات مجموعة من الأركان التي لا يصحّ أداء العبادة دون الإتيان بها على الوجه المطلوب، وهذه الأركان أفعال أساسية تكون داخل العبادة، ومن حقيقتها؛ إذ لا يمكن تصوُّر العبادة لو لم تتحقّق أركانها.[١] وقد تعدّدت آراء العلماء في بيان هذه الأركان، وتحديدها، وذهبوا في ذلك إلى قولَين، بيانهما فيما يأتي:
القول الأول: قال كلٌّ من الحنابلة، والحنفيّة بأنّ للصيام ركناً واحداً يتمثّل بالإمساك عن كلّ المُفطرات، واعتبروا النيّة شرطاً له.
القول الثاني: قال المالكيّة، والشافعيّة بأنّ أركان الصيام تتمثّل بالنيّة، والإمساك عن المُفطرات، واعتبر الشافعيّة أنّ الصائم ركنٌ للصيام.
النيّة
تُعرَّف النيّة بأنّها: قصدٌ في القلب لا بُدّ من تحقُّقه، لا يُتلفَّظ بها، ويُحكَم عليها بالوجوب؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)،[٣][٤] وبناءً على ما سبق بيانه من تفصيل في تحديد النيّة كرُكنٍ من أركان الصيام عند الشافعيّة والمالكيّة فقط، فإنّ تفصيل أحكامها لديهم كما يأتي:
الشافعيّة: اشترط الشافعيّة في النيّة تبييتها من الليل؛ أي قبل طلوع الفجر، إذ لا بدّ من قصد الصيام ليلاً، وإن انعقدت النيّة بعد طلوع الفجر، فإنّ الصيام يبطل، وقد استدلّوا بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (من لم يبيِّتِ الصِّيامَ قبلَ الفَجرِ، فلا صيامَ لَهُ)،واشترط الشافعيّة أيضاً وجوب تعيين نوع الصيام، وتحديده قبل طلوع فجر يوم الصيام، ولا يصحّ ترك النيّة مُطلَقةً على العموم، وذلك في صيام الفرض دون النافلة منه، كما اشترطوا عقد النيّة عن كلّ يومٍ في رمضان؛ فلا تكفي نيّةً واحدةً عن الشهر كلّه؛ لأنّه يتضمّن عدّة عباداتٍ، وليست عبادةً واحدةً، وكلّ عبادةٍ لا بُدّ أن تكون لها نيّةٌ خاصّةٌ بها عن غيرها من العبادات.
المالكيّة: قال المالكيّة بوجوب تبييت نيّة الصيام ليلاً؛ سواءً كان الصيام فرضاً، أم نفلاً، ولا بأس أو حرج بالأكل أو الشرب بعد عقد النيّة، وقبل طلوع الفجر الثاني، ولا تصحّ النيّة بعد طلوع الفجر، وتصحّ إن عُقِدت مع طلوع الفجر، أو قبله بقليلٍ، كما يُشترَط في نيّة الصيام تعيينها إن كان صيام رمضان، أو قضاءٍ، أو كفّارةٍ، أو نذرٍ، والشكّ بالنيّة بعد الجزم بها يجعل الصيام تطوُّعاً، وتجدر الإشارة إلى أنّ المالكيّة لم يشترطوا تكرار النيّة؛ فيصحّ صيام شهر رمضان بنيّةٍ واحدةٍ فقط تُعقَد في أوّله؛ إذ لا حاجة إلى تجديد النيّة كلّ يومٍ من أيّام رمضان ما لم يكن هناك ما يقطع صيامه لأيّ عُذرٍ، ويُحكَم على ذلك في كلّ صيامٍ مُتّصلٍ، كالنذر، وكفّارة القتل، والظِّهار، فإن أفطر المسلم؛ لسفرٍ، أو مرضٍ، ثمّ أراد الصيام، فيتوجّب عليه تجديد النيّة للصيام، وكذلك إن أفطر مُتعمِّداً، فيتوجّب عليه تجديد النيّة مرّةً أخرى.
الإمساك عن المُفطرات
يُقصَد بالإمساك عن المُفطرات: امتناع الصائم الفِعليّ عن الأكل، والشُّرب، والجِماع، وعن كلّ شيءٍ يُمكن دخوله عن طريق الجوف، مثل: الدواء، وغيره، في زمنٍ مُحدّدٍ؛ من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، ومن شخصٍ مُحدّدٍ؛ وهو المسلم، البالغ، العاقل، الطاهر من الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، مع تحقُّق النيّة والعزم في القلب على الصيام دون تردُّدٍ، ولا بُدّ من النيّة؛ لتمييز العبادة عن العادة، وتتفرّع المُفطرات إلى نوعَين، بيانهما فيما يأتي:
المُفطرات الحسّية، ومنها:
الأكل، والشُّرب، والجِماع، وتعمُّد القيء، والاستمناء.
المُفطرات المعنويّة، ومنها: النميمة، والغيبة؛ إذ بهما يبطل أجر الصيام فقط، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (ربَّ صائِمٍ ليس لَهُ مِنْ صيامِهِ إلَّا الجوعُ، ورُبَّ قائِمٍ ليس لَهُ مِنْ قيامِهِ إلَّا السَّهرُ).
الصائم
يُعَدّ الصائم رُكناً من أركان الصيام عند الشافعيّة وحدهم؛ لأنّ الصيام ليس له كيفيّةٌ يمكن تبصُّرها إلّا بوجود الصائم، على عكس الصلاة؛ إذ يُمكن أن تُدرَك وتُعقَل دون وجود مُصَلٍّ؛ لأنّ الصلاة ذات حركاتٍ، وأقوالٍ.
أحكامٌ مُتعلّقةٌ بأركان الصيام الأكل والشُّرب نسياناً
فصّل العلماء في حُكم الأكل والشُّرب حال الصيام نسياناً، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
القول الأول: قال كلٌّ من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة بأنّ الصائم لا يفطر إن أَكل أو شَرِب نسياناً؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: (إِذَا نَسِيَ فأكَلَ وشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقَاهُ).[١٤]
القول الثاني: قال المالكيّة بفساد صيام من أَكل، أو شَرِبَ؛ سواءً كان مُتعمّداً، أو ناسياً، أو مُكرَهاً، وعليه قضاء اليوم الذي أفطره، ويُمسك بقيّة اليوم الذي أفطره.
تأخير الاغتسال من الحدث الأكبر إلى ما بعد الفجر في رمضان
تأخير الاغتسال من الحيض، أو الجنابة إلى ما بعد طلوع الفجر لا يؤثّر في صيام المسلم، ولا يوجد فرقٌ بين من أخّرَ الاغتسال إلى ما بعد الفجر مُتعمّداً، ومن أخّره ناسياً، واستدلّوا على ذلك بما رُوِي عن عائشة وأمّ سلمة -رضي الله عنهما- فيما كان يفعله النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد ثبت ذلك فيما أخرجه الإمام مسلم: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِن جِمَاعٍ، لا مِن حُلُمٍ، ثُمَّ لا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي)،[١٥] ويصحّ أيضاً صيام الحائض إن طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلّا بعد طلوع الفجر.
الصيام عن الميّت
اختلف العلماء في حُكم الصيام عن الميّت؛ فقال البعض بعدم وجوب الصيام عن الميّت على الوليّ، ويُطعم عن كلٍّ يومٍ مسكيناً، وقال الجمهور من العلماء باستحباب الصيام عن الميّت، وقال البعض من العلماء بصيام النَّذر عن الميّت دون قضاء رمضان، وقال ابن حزم بالصيام عن الميّت؛ سواءً كان الصيام نَذراً، أم غيره.