بقلم سدي علي ماءالعينين
كتبت منذ شهور مقالا مطولا عن الإستثناء المغربي بعدم السماح بالتعددية الإعلامية وفتح المجال السمعي البصري للقنوات الخاصة،
حتى الجرائد الورقية التي يبدو أنها لا تزعج بحكم نسبة إنتشار الأمية، وضعف الإقبال على القراءة، جعل الدولة تسمح للجزار و الحلاق و بائع الخضر وغيرها من المهن التي لا تتطلب مستوى دراسي بحق إصدار جريدة ورقية، وهي التي سميت آنذاك بالجرائد الصفراء،
وبدخول المغرب عالم الرقمنة، اتجه الجميع لفتح جرائد إلكترونية بلا معايير مضبوطة، لتتدخل الدولة بتقنين هذا المجال،
وفي نفس الأسبوع الذي نزل فيه القانون كانت البدائل قد طُرحت بإعتماد قنوات يوتوب والتي لقيت تجاوبا كبيرا، لكنها لم توظف في الإتجاه الصحيح وانتجت لنا التفاهة وروتيني اليومي…
و بقدرة قادر أصبحت الهواتف مؤسسات تلفزية تجوب المغرب طولا وعرضا تنقل للمغاربة صورا وأشرطة عن مغرب لا يجد طريقه إلى القنوات العمومية.
و ها نحن اليوم نصل إلى نقاش حول قانون تحكمي لشبكات التواصل الإجتماعي،
قد يبدو الملف مثيرا للإستغراب بحكم طبيعة وانتماء وزير العدل، وقد يكون مشروع القانون المسرب يثير القلق حول توقيت عرضه اكثر من مضمونه،
لكن يبقى السؤال الجوهري:
لماذا المغرب في حاجة إلى هذا القانون؟
ماهي الوقائع و الحيثيات التي دفعت إلى التفكير فيه وصياغته؟
قبل تسعينيات القرن الماضي كانت القناة التلفزيةtv5هي من تقوم بنشر اخبار وربورطاجات عن مغرب لا يريده المخزن ان يُعرف او يُنشر او يُثار حوله نقاش،
لذلك عمد الحسن الثاني إلى شراء أسهم من هذه القناة بغية منع نشر ما يعتبره إساءة للمغرب،
إذا لماذا يخشى النظام المغربي الصورة؟
ولماذا يبدو متحمسا لها زمن كورونا وهو ينقل مشاهد للقياد و السلطات وهم يجوبون الأزقة والشوارع لفرض الحجر الصحي، وفي الوقت نفسه يمررون خلسة قانونا يحرم المغاربة من التعبير الإفتراضي عن واقعهم؟!!
عبثا ستحاول الأنظمة شن حملات تشريعية ضد هذا الزحف الإعلامي التكنولوجي الذي أصبح جزءا من هوية مواطن اليوم،
وعبثا يمكن القول ان التشريعات يمكنها ان تحول سلوكا بشريا أصبح عاديا إلى تجريم والحكم عليه بأنه جريمة إلكترونية،
ماهو مؤكد اننا بلد لا نملك مفهوما مضبوطا لمهنة الصحفي،
فغالبية الممارسين لهذه المهنة هم من موظفي الدولة و غالبيتهم من رجال التعليم، رغم تجريم القانون لإزدواجية الوظيفة، لكن غالبيتهم يمارسون مهنة مراسلين ويتقاضون عنها أجرة إلى جانب أجرة مهنتهم الأصلية،
باقي الصحفيين ليسوا خريجي معاهد ولم يسبق لهم تلقي تكوينات أكاديمية في الصحافة، لكن في المقابل نجدهم هم من يؤطرون دورات في الإعلام؟!!
ووسط هذا الخلط في تحديد مفهوم الصحفي، يطرح مفهوم المؤسسة الإعلامية وضوابطها وشروطها،
والحكم الوصفي الأولي، اننا أمام عناوين و فضاءات لا تتوفر فيها ادنى شروط ومقومات العمل الصحفي المتعارف عليه دوليا.
اليوم هناك مفهوم جديد لحرية التعبير، حيث إنتقلنا من التظاهر و من التجمعات ومن مقالات بجرائد ورقية تخرج من مطبعات وحاملة لرقم إيداع قانوني ومسؤول تحرير وهيئة تحرير إلى ممارسة مفتوحة يمارسها معروفون ومجهولون من حواسيب و هواتف ومن منصات تواصلية بحسابات معروفة و أخرى وهمية كما هو حال الذباب الإلكتروني،
قد يبدو هذا الأمر فوضى و عبث، وله آثار سلبية على توجهات و سلوكات المجتمع و يُصَعِبُ على الدولة ماتراه حقا في الضبط و التحكم حماية للدولة والمواطنين،
لكن المفارقة هي اننا نعلن كدولة عكس ما نعتقد، لذلك تتجه تشريعاتنا لتكبيل حركية المواطنين ،وتجريم حقهم في التعبير، وحسن استغلالهم الفضاءات ومنصات التواصل.
قد نحدف قُبلة من فيلم كي لا نخدش حياءالمشاهدين من الأسر ، لكننا لن نمنع هواتف الأبناء من ولوج قنوات إباحية تغزو الهواتف،
إن التحكم والضبط لا يتم بقوانين زجرية بل بنشر الوعي والتربية وقيم الإنسانية والعدالة الإجتماعية،
العالم لم يعد قادرا على إحتضان منطق الأنظمة الشمولية في ضبط المواطنين، لأن عالم اليوم هو عالم الصورة التي تخترق كل الأنظمة حتى سقط مفهوم الحُرمة بعد أن تفنن المواطنون في نقل حميميتهم من غرف نومهم إلى عامة الناس برضاهم او خلسة، للفرجة او للإبتزاز.
قانون22. 20لا يمكنه ان يرى النور في التنزيل و الممارسة شأنه شأن منع التذخين في الأماكن العمومية، أو منع البلاستيك، أو بيع الخمر لغير المسلمين…
لكنها قوانين فوقية لا تعير إهتماما لطبيعة البشرية اليوم التي أصبحت ” روبوهات” بلا طابوهات ،ترى في كل قانون متحكم فيها مجرد طرهات
فهل تعتبرون ؟