نظمت منظمة المحامين التجمعيين ندوة علمية مساء أمس الجمعة بمقر وزارة العدل حول “السياسة الجنائية والحريات الفردية بالمغرب” عرفت مشاركة ثلة من الخبراء في المجال القانوني بغية تدارس الممارسات الفضلى الكفيلة بتجويد السياسة الجنائية الوطنية، في ظل النقاش العمومي الدائر حاليا حول بلورة سياسة جنائية ناجعة وكفيلة بحفظ الحريات الفردية.
وشدد فاعلون قانونيون خلال الندوة على أهمية بلورة سياسة جنائية لا تنسلخ عن عراقة وهوية المجتمع المغربي وتستجيب في نفس الوقت لمتطلبات التحديث والتطور والسرعة التي يعيشها العالم وتحد من سرعة تطور الظاهرة الإجرامية، بما يضمن استقرار وأمن المجتمع وسلامة وحرية أفراده.
وتطرقت الندوة إلى عدة مواضيع أهمها، “السياسة الجنائية المغربية وسؤال الحريات الفردية”، ”الإجهاض والحريات الفردية بالمغرب”، ”التوجهات القضائية الحديثة لإثبات جريمة الخيانة الزوجية”، ”تطور فهم وممارسة الحريات الفردية وسياسة التجريم بالمغرب”، ”الحرية والسياسة الجنائية”، بتأطير ثلة من الأكاديميين والباحثين والممارسين في الشأن القضائي والقانوني.
وأبرز رئيس منظمة المحامين التجمعيين، النقيب عبد الصادق معطى الله في كلمته على أن السياسة الجنائية تمثل مجموع التدابير الزجرية التي تواجه بها الدولة الجريمة، مشيرا إلى أن “المشرع المغربي لم يعرف السياسة الجنائية بشكل واضح المعالم”.
وأضاف معطى الله، أن المجلس الدستوري قد أشار، في قراره الصادر في 15 مارس 2016، إلى بعض ملامح هذه السياسة بالقول إن صلاحية وضع السياسة الجنائية تظل من الصلاحيات المخولة إلى السلطة التشريعية.
وأردف المتحدث نفسه أنه إذا كان المشرع لم يحدد الجهة التي تضع السياسة الجنائية، فإن دستور المملكة لسنة 2011 في فصله 71، قضى بالاختصاص الحصري للبرلمان في “وضع القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وهما النصان الأساسيان اللذان يتضمنان التدابير الزجرية التي تقررها الدولة بواسطة سلطتها التشريعية”.
واختتم حديثه بذكره بأن القانون الجنائي المغربي وضع سنة 1962، أي ست سنوات بعد حصول المغرب على الاستقلال، مشيرا إلى أن الظرفية التاريخية وفلسفة المشرع آنذاك مغايرة للظرفية الحالية، الأمر الذي يقتضي مراجعة بعض النصوص القانونية لتطوير الأداء الحقوقي في مفهومه الكوني الشامل.
وفي ذات السياق أوضح نقيب هيئة المحامين بمراكش، مولاي سليمان العمراني، أن الظاهرة الإجرامية متحولة وتتطور بسرعة ولا يحدها زمان أو مكان، بل عجزت التشريعات عن مواكبتها لما تستلزمه هذه الأخيرة من مصادر قانونية وتشريعية معقدة قبل صدور قواعد قانونية ملزمة للأشخاص.
وأشار العمراني في كلمته إلى أنه على مستوى الممارسة الفعلية للسياسة الجنائية، فإن تعدد الفاعلين والمتدخلين في هذه السياسة، قبل بلوغها النيابة العامة بمختلف المحاكم وحتى الضابطة القضائية يزيد من صعوبة تحديد من يصنع فعلا السياسة الجنائية في المغرب، موضحا أن المغرب يتوفر فقط على سياسة زجرية بحيث يتدخل المشرع بشكل جزئي في كل مرة تظهر فيها أفعال معينة تشكل خطورة إجرامية ويضع النصوص القانونية التي تزجر تلك الأفعال.
واختتم مداخلته بالإشارة على أهمية تجميع القانون الجنائي والمسطرة الجنائية في مدونة واحدة، احتراما لمبدأ الشرعية أولا، ثم احتراما لحق الناس في معرفة الأفعال المجرمة من غيرها بسهولة ويسر حتى يتجنبونها.
وتواصلت فعاليات الندوة بمداخلات أخرى اتجهت في ذات السياق حيث أشار رئيس المكتب الجهوي للمنظمة بجهة مراكش آسفي، مولاي يوسف كنون، أن القانون الجنائي والمسطرة الجنائية يعتبران المنظمان والمؤطران للحريات الفردية، التي لا تخرج عن كونها منظومة حقوق تثار في سياق الحديث عن حقوق الإنسان والتي لا يمكن فصلها عنها.
وأضاف، أن دستور المملكة نص في صلب ديباجته على أن المملكة المغربية تتعهد بتطبيق ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان والإسهام في تطويرها مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء.
وأكد في مداخلته إلى أن النهوض بالحريات الفردية يستدعي قوة الإقدام على الالتزام بجميع المواثيق الدولية لحقوق والحريات، وشجاعة التراجع عن القوانين التي أصبحت متجاوزة ولا يقبلها المنطق القانوني السليم، مؤكدا في الوقت ذاته أن المحامين، انطلاقا من الرسالة النبيلة التي تحملها مهنتهم، مطالبين بالمساهمة في إغناء هذا النقاش.
وشهدت الجلسة الافتتاحية للندوة تكريم عدد من المحامين عرفانا بمساهماتهم النوعية والكمية في المجال القانوني ويتعلق الأمر بكل من بالنقيب عبد الرحيم الجامعي الرئيس السابق لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، وعمر ودرا الرئيس الحالي للجمعية، ومولاي سليمان العمراني نقيب هيئة المحامين بمراكش وفتيحة شتاتو المحامية بهيئة المحامين بالرباط والفاعلة الجمعوية، وعبد الصادق معطى الله رئيس منظمة المحامين التجمعيين.
20دقيقة/عماد الدين تزريت /عدسة اسماعيل رمزي