جاء في مقال للكاتب الباحث عبد المجيد ابو العلا في التحليلات الاستراتيجية أنه ثمة عدد من التجارب الدولية، التي عملت على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أنظمة الاكتشاف والإنذار المبكر للزلازل، وإرسال التنبيهات اللازمة، ومنها:
1– تطوير نظام صيني واسع النطاق للإنذار المبكر: ركزت الصين بعد زلزال ونتشوان الذي ضربها عام 2008 على تطوير تقنيات الإنذار المبكر، ويشير علماء صينيون إلى تطوير ما يصفونه بـ “أكبر وأسرع وأدق نظام للإنذار المبكر بالزلازل في العالم”. ويغطي هذا النظام 90% من السكان في المناطق المعرضة للزلازل. ويمكنه التقاط الإشارات الزلزالية في أسرع وقت ممكن وتقديم إنذارات مبكرة يتم إصدارها عبر الهواتف المحمولة والتلفزيون والراديو ووسائل الإعلام الجديدة. وتشير تقارير إلى أن وظيفة الإنذار المبكر من الزلزال تشمل ما مجموعه 800 مليون جهاز تلفزيون وهاتف محمول.
وفي سياق ذي صلة، أعلنت الصين عام 2020 عن تطوير نظام لرصد الزلازل بالاستفادة من الذكاء الصناعي، ودخوله مرحلة التشغيل التجريبي في مقاطعتي يونان وسيتشوان جنوبي غربي البلاد؛ إذ تعمل الخوارزميات الآلية على استخلاص مؤشرات الزلازل بما في ذلك مركز الزلزال وقوته ووقته وعمقه، وذلك بالاستفادة من إشارات الموجات الزلزالية في العديد من الدول. وفضلاً عن تمتعه بدقة مقاربة لطريقة الحساب اليدوي، فإنه يتمتع بالقدرة على الوقوف على مؤشرات مصدر الزلزال في غضون ثانية إلى ثانيتين، ومعالجة كميات هائلة من البيانات. وقد نجح النظام الصيني في تحديد بيانات الزلازل في عدة الدول بشكل ناجح. ما دفع بكين نحو الترويج لنظامها الحديد والعمل على استخدامه في دول أخرى.
وفيما يشير علماء صينيون إلى أهمية البحث عن اضطرابات إلكترونات الغلاف الجوي للكشف المبكر عن الزلازل، فإن الصين اتخذت بعض الخطوات في هذا الشأن. فبعدما أطلقت بكين القمر الصناعي الصيني Seismo–Electromagnetic (CSES) لرصد اضطرابات الغلاف الجوي المتأين للأرض، أشارت تقارير صينية، العام الماضي، إلى رصد مركز شبكات الزلازل الصيني انخفاضاً في كثافة الإلكترونات في طبقة الأيونوسفير حتى 15 يوماً قبل الزلازل التي ضربت الصين في مايو 2021 ويناير 2022.
ورغم ذلك فإن قدرة ذلك النظام على التنبؤ بالزلازل الوشيكة لا تزال غير كبيرة، خاصة من زاوية عدم القدرة على تحديد الموقع الصحيح الذي سيحدث فيه الزلزال، بالنظر إلى أن الزلازل الكبيرة قادرة على إحداث تغييرات في طبقة الأيونوسفير بعيداً عن مركز الزلزال، مما يجعل تأكيد الموقع الدقيق أمراً صعباً.
2– مراقبة طوكيو حركة الأرض للتنبؤ بالزلازل: تستخدم اليابان نظاماً قائماً على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالزلازل باستخدام صور الأقمار الصناعية، وتستخدم تلك الأنظمة لاكتشاف العلامات أو الانهيارات الأرضية، ومراقبة البنية التحتية القديمة، والكشف عن نقاط الضعف وإصلاحها قبل وقوع الكوارث الطبيعية. وتعمل طوكيو على تطوير أنظمة للتعلم الآلي (ML) تراقب حركة الأرض للتنبؤ بالزلازل.
3– تطبيق نظام ”ShakeAlert“ في ولايات أمريكية: قدمت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) نظاماً للكشف المبكر عن الزلازل في كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن يُعرف باسم “ShakeAlert”. ويستخدم هذا النظام شبكة من أجهزة الاستشعار الزلزالية لاكتشاف وتقييم الموجات الأولية للزلزال، وتنقلها إلى مركز البيانات، بحيث تفترض خوارزميات النظام وقوع زلزال حقيقي –وليس حوادث عرضية لجهاز الاستشعار– إذا سجلت 4 أجهزة استشعار منفصلة حدوث اهتزازات أولية. ثم تقدر الخوارزميات نطاق وموقع وشدة الزلزال. والعمل عبر مجموعة من الشركاء على إرسال رسائل تحذيرية وإشعارات للسكان والجهات المعنية ومشغلي البنية التحتية الحيوية.
ويمكن دمج تلك الإشعارات مع أتمتة أو استجابات تلقائية للحفاظ على السلامة العامة. فعلى سبيل المثال يعمل نظام النقل في سان فرانسيسكو تلقائياً على إبطاء القطارات. كما يمكن للأنظمة الآلية إرسال مساعدات مالية إلى المناطق التي تحسب فيها الخوارزميات احتمالية عالية للخطر.
4– اختبار نظام ألماني لتحليل بيانات الزلازل: عمل فريق بحثي من مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض وجامعة هومبولت، على الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تحليل البيانات الزلزالية لتحقيق تنبؤ أسرع وأكثر دقة للاهتزاز المتوقع في المنطقة المجاورة للزلزال. وهو ما تم اختباره من خلال مجموعات البيانات من الدول المعرضة للزلازل ولديها شبكة من محطات الزلازل مثل إيطاليا واليابان، حيث جرى اختبار النظام على مجموعة من آلاف الزلازل المسجلة.
5– مشروع أوروبي للإنذار المبكر للزلازل عبر الـ AI: يولي الاتحاد الأوروبي أهمية لتعزيز نظم الإنذار المبكر للزلازل، وفي هذا الإطار سيستخدم مشروع “EARLI” الممول من الاتحاد الأوروبي الذكاء الاصطناعي لتحديد الإشارات الزلزالية الضعيفة والمبكرة لتسريع الإنذار المبكر واستكشاف إمكانية التنبؤ بالزلازل. وسيعتمد نظام الإنذار المبكر على الإشارات الناتجة عن اضطراب مجال الجاذبية الناتج عن الزلزال، وسيتم تكييف خوارزمية الذكاء الاصطناعي المُطوَّرة للبحث عن إشارات تسبق الزلازل الكبيرة.
6– تعاون “جوجل” و”هارفارد” لتوقع توابع الزلازل: عملت شركة ”Google” وجامعة ”Harvard” على تطوير نظام ذكاء اصطناعي يمكنه توقع توابع الزلازل؛ وذلك عبر دراسة أكثر من 131 ألف زلزال وتابع؛ لبناء نظام قادر على توقع التوابع المحتملة. وأشارت التقارير إلى اختبار هذا النظام على 30 ألف هزة زلزالية، ونجاح النظام في التنبؤ بمواقع التوابع الزلزالية بدقة أكبر من الطرق التقليدية.
7– توظيف الهواتف المحمولة في الكشف المبكر عن الزلازل: يمكن استخدام الهواتف المحمولة للكشف المبكر عن حدوث الكوارث الطبيعية. وقد برزت بعض الأنظمة التي تعمل على الكشف عن الزلازل بالاعتماد على بيانات على الهاتف المحمول، مثل “Zizmos” الذي أُطلِق في عام 2015، والذي تميز أيضاً بأنه أرخص نسبياً من أنظمة الكشف والإنذار التقليدية، ويمكنه العمل عبر شبكة أوسع من أجهزة الاستشعار، عبر إنشاء شبكة من ملايين أجهزة الاستشعار المنخفضة التكلفة؛ إذ ينزل المستخدم تطبيقاً يرصد عدداً من المؤشرات من خلال الهاتف، ويجمع البيانات عند حدوث الهزات، ويرسلها؛ بحيث يتمكَّن النظام من مراقبة حركة الزلازل وتنبيه المستخدمين. وقد برزت دعوات لتعظيم الاستفادة من تلك التطبيقات بدمجها في الهواتف عند تصنيعها بدلاً من الاعتماد على تثبيت المستخدمين لها.
8– تنبيه بعض شركات الهواتف المستخدمين برسائل عاجلة: عملت بعض الشركات على إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في التحذير من الزلازل، مثل شركة ”Xiaomi” الصينية، التي يرسل نظام التشغيل الخاص بهواتفها تحذيرات إلى مستخدميها من الزلازل خلال ثوانٍ وقبل الشعور بالهزات الأولى لتنبيههم. وتعمل بعض الأنظمة التي تتعاون معها تلك الشركات على تحديد قوائم بالمعرَّضين لمخاطر الزلزال، الذين يحتاجون إلى ذلك التنبيه لإرسال الإشعارات والرسائل، باعتبار أن إرسال تلك التنبيهات يستخدم ثواني أكثر، ويتسبَّب في بطء عملية التنبيه.
تحديات البيانات
يرتبط جانب كبير من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الزلازل بالبيانات، ومنها ما يتعلق بجمع بيانات صحيحة وغير متحيزة وذات تمثيل كافٍ، باعتبار أن جمع بيانات خاطئة أو مَعِيبة يُنتِج معالجات غير دقيقة؛ الأمر الذي تزداد صعوبته عند الحاجة إلى جمع بيانات تمثيلية دقيقة لأحداث نادرة أو غير متكررة بكثرة كالزلازل، فيما تساعد شبكات الاستشعار بالفعل على جمع البيانات بدقة عالية وبسرعة، بل من مناطق صعبة أو معقدة على مستوى الطبوغرافيا والتضاريس، وهي المعلومات التي يصعب الحصول عليها بطرق تقليدية أخرى؛ لذلك من المهم زيادة الاستثمارات والتطوير لتقنيات الاستشعار، وزيادة محطات رصد الزلازل. وتعتبر البنية التحتية للاتصالات بوجه عام مهمة لجمع البيانات من جهة، ولإرسال التنبيهات والتحذيرات من جهة ثانية. وبالنظر إلى الحجم الكبير للبيانات التي تُجمَع، فإن ثمة تحديات مرتبطة بمعالجة البيانات الضخمة وحساب خوارزميات التعلم الآلي المعقدة.
وثمة تحدٍّ آخر يتمثل في أن الاستناد إلى بيانات السجلات السابقة للزلازل في الماضي، يفتقد إلى أن يُؤخَذ بعين الاعتبار احتمالات تغير اتجاهات الظاهرة نتيجة عوامل وتغيرات طبيعية. ومن جهة أخرى، فإنه في الوقت الذي تستغرق فيه دورة الزلزال كاملةً آلاف السنين، فإن البيانات التي تُجمَع تعود إلى فترات قريبة قد تصل إلى مئات السنين فقط؛ الأمر الذي يحد من كفاءة النموذج المُصمَّم، وبُعده التاريخي، ويجعل البعض يتهم تلك البيانات التي تُصَاغ نماذجُ التعلُّم الآلي من خلالها بالقصور أو القلة، كما تواجه بعض الأنظمة صعوبة في الاكتشاف المبكر للزلازل الكبيرة بالنظر إلى قلة تكرارها ونقص البيانات التاريخية الخاصة بها.
وتعتبر العديد من التقارير أن ضمان الوصول المفتوح إلى البيانات المهمة والتعاون الدولي في هذا الشأن أمراً بالغ الأهمية، وتدعو إلى بناء مجموعات بيانات موثوقة محلياً وإقليمياً ودولياً؛ فتطبيقات الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية والزلازل تتطلب مشاركة البيانات بين الدول، خاصةً أن الزلازل قد لا تضرب دولة واحدة فقط، وقد لا تكون المؤشرات التي تقدمها الأنظمة الذكية في كل دولة كافية لإطلاق إنذارات مبكرة في الوقت المناسب، وهو ما يتوافق مع الدعوات الأممية إلى نظام عالمي للإنذار المبكر.
وعلى الجانب الآخر، تثير مسألة جمع ومشاركة البيانات مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن، سواء على مستوى البيانات الشخصية أو البيانات الخاصة بالدول. بالإضافة إلى ذلك، فإن من المهم العمل على تسريع عمليات نقل البيانات والتحذيرات؛ حيث تحذر تقارير أن القريبين من مركز الزلزال بشدة قد يشعرون بالاهتزاز قبل تلقي تحذير؛ ما يدعو إلى تقليل الوقت اللازم لعمل أجهزة الاستشعار والتقاطها المؤشرات وتحليل البيانات عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي والخوارزميات وإرسال التنبيهات.
عبد المجيد ابو العلا
انترنرجونال للتحليلات الاستراتيجية