تشابه مذهل بين كوكبي الأرض والمشتري قاد العلماء أخيرا إلى فك لغز أعاصير المشتري.
ورغم عدم وجود كثير من القواسم المشتركة بين الكوكبين، إلا أنك إذا وضعت الصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية للأعاصير على سطح الأرض إلى جانب صور أعاصير المشتري، فإنك قد لا تستطيع التمييز بينهم.
وفي دراسة جديدة نشرت، الاثنين، بدورية “نيتشر فيزيكز” حاول العلماء فك اللغز، إذ قالت عالمة المحيطات ليا سيغلمان من معهد سكريبس لعلوم المحيطات: “عندما رأيت الاضطرابات المحيطة بأعاصير جوفيان على كوكب المشتري، تذكرت ذلك الاضطراب الذي نراه في المحيط حول الدوامات المصاحبة للأعاصير على كوكبنا”.
الحمل الحراري
في وقت سابق، أرجع العلماء اضطرابات كوكب المشتري إلى آلية الحمل الحراري، لكن لم تتح لهم بيانات تفصيلية تكفي لتأكيد هذه النظرية، حتى وصلت المركبة جونو إلى المشتري، وأخذت مكانها في مدار حول الكوكب الغازي العملاق، مما أتاح لنا الحصول على صور تفصيلية للمناطق المضطربة.
وآلية الحمل الحراري هي إحدى طرق انتقال الحرارة، ويجري فيها حمل الهواء للحرارة من المكان الحار إلى المكان البارد أثناء تحركه بسبب فرق الكثافة، فإن الغازات الساخنة تقل كثافتها وبالتالي ترتفع إلى أعلى ويحل محلها غازات باردة، مثل ما يَحدث في باطن الشمس عندما تنتقل الطاقة من نواتها إلى طبقة الفوتوسفير بالحمل الحراري.
ولأن المسافة بين المشتري والشمس كبيرة جدا (779 مليون كيلومتر)، فإن الحرارة التي تصل من الشمس ضعيفة، وللحفاظ على الكوكب من التجمد، فإن عملية الحمل الحراري تحت السطح تنتج حرارة كافية للحفاظ على العملاق الغازي.
يحدث أيضا الحمل الحراري في الغلاف لكوكبنا، ويؤدي الحمل الحراري الرطب إلى تطوير العواصف الرعدية، التي غالبا ما تكون مسؤولة عن الطقس القاسي في جميع أنحاء العالم. مثل الأعاصير.
فك اللغز
بفضل المركبة جونو رصد العلماء – للمرة الأولى – مجموعات غريبة من الأعاصير يبلغ قطرها 5 آلاف كيلومتر (3100 ميل)، تصاحبها دوامات أصغر حجماً، تتراوح أقطارها بين 100 و 1600 كيلومتر.
تم تزويد المركبة جونو بكاميرتين: بصرية وأشعة تحت الحمراء، بدقة تصل إلى 10 كيلومترات، وحللت سيغلمان وزملاؤها صور جونو للقطب الشمالي للمشتري، باستخدام تسلسل الصور البصرية لتتبع حركات السحب، والتي بدورها أعطت تقديرات لسرعة الرياح واتجاهها.
كما سمحت صور الأشعة تحت الحمراء بمعرفة درجات حرارة هذه الصور، حيث يوجد في المناطق الأكثر سخونة غيوم أقل كثافة، بينما تمثل المناطق الأكثر برودة غيوما أكثر كثافة.
أتاحت هذه البيانات فك لغز أعاصير المشتري، حيث وجد العلماء أن الزيادة السريعة في ارتفاع درجات الحرارة عن طريق الحمل الحراري، تنقل الهواء الأقل كثافة إلى أعلى الأعاصير العملاقة، وهو ما يسمح باستمرارها.
وبرغم فهم آلية عمل الأعاصير على المشتري، إلا أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى السبب الذي يجعل الأعاصير تبدأ من الأساس.
ويقول الباحثون إن التشابه الغريب بين الأرض والمشتري قد يقود إلى تقديم بعض الأفكار حول العمليات التي تحدث في الغلاف الجوي لكوكبنا، حيث تُشير بعض الملاحظات إلى احتمال أن تكون عملية الحمل الحراري متشابهة إلى حد كبير على كلا الكوكبين.