فضل ليلة القدر وعلاماتها

20 مايو 2020
فضل ليلة القدر وعلاماتها

التعريف بليلة القدْر

يتكوّن مصطلح ليلة القدر من جُزأين؛ فالأوّل هو الليلة، وتُعرَّف بأنّها: الوقت الذي يمتدّ منذ غروب الشمس وحتى طلوع الفجر، أمّا الثاني فهو القَدر، وقد تعدّدت أقوال الفقهاء في بيان المعنى المراد من القَدر؛ استناداً إلى بعض الأدلّة، ومنها: قوله -تعالى-: (وَما قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدرِهِ)؛ فالمقصود هنا بالقَدر: التشريف والتعظيم، وهي ليلة ذات قَدْر بتنزُّل القرآن والملائكة فيها، كما تتنزّل فيها رحمات الله -تعالى- وبركاته، ومن معاني القَدْر أيضاً: التضييق؛ كما في قوله -تعالى-: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)؛ والمقصود هنا أنَّ التضييق في هذه الليلة هو إخفاؤها، وعدم تعيينها بوقت مُحدَّد، ولأنَّ الأرض تضيق وتزدحم بالملائكة، ومن معانيه أيضاً أنّ القدَرَ بفتح الدال رديفٌ لمفهوم القضاء؛ أي بمعنى الفصل والحُكم، وقال بعض العلماء في معنى القدْر وسبب تسميتها بذلك: إنَّ الملائكة في هذه الليلة تكتب ما قُدِّرَ من الرزق والآجال من الله -تعالى-، وهذا في قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ*أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) والليلة المباركة في هذه الآية هي ليلة القدر.

فضل ليلة القدر

تختصّ ليلة القدر بالعديد من الفضائل العظيمة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:

تنزّلَ فيها أعظم الكُتب وأشرفها؛ ففيها أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم؛ هداية للناس، واختصاصها بذلك دليل على عُلوّ قَدرها، ومنزلتها، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

تميّزها ببركتها، وما فيها من الخير، والفضل العظيم، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ)، كما أنّ فيها الكثير من الأجر والثواب للمسلم الذي يقومها.

تُقدَّر فيها الأرزاق والآجال، وتكتب فيها الملائكة الحوادث، والأعمال، وكلّ ما هو كائن في السنة التي فيها ليلة القدر إلى السنة التي تليها، فينفصل كلّ ما كُتِب من الأمور المُحكَمة بعِلم الله ومشيئته وقدرته من اللوح المحفوظ؛ لتُسجِّله الملائكة في صُحفها بأمر الله -تعالى- وإرادته؛ قال -تعالى-: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).

يُعَدّ العمل الصالح فيها أفضل من عمل ألف شهر فيما سواها، كما أنّ العبادة فيها خيرٌ من العبادة في ألف شهر دونها؛ أي ما يقارب عمل ثمانين عاماً، إضافة إلى أنّ الأجر والثواب فيها مُضاعَف؛ فعلى الرغم من أنّ العمل في رمضان مُضاعف في الأصل، إلّا أنّه مُضاعَف أيضاً في هذه الليلة أضعافاً كثيرة لا يعلمها إلّا الله -تعالى-؛ قال -تعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

تمتلئ ليلة القَدْر بالسكينة، والأمن، والطمأنينة حتى طلوع شمسها، وفيها تتنزّل الملائكة بالرحمة، والسلامة، والخير لأهل الطاعة والإيمان؛ قال -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

تُغفَر فيها الذنوب، ويكثر فيها العَفو، والغفران، والتيسير لِمَن قامها مُحتسِباً الأجرَ من الله -تعالى-؛ قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).

إثبات وجود ليلة القدر ووقتها

وردَت أحاديث كثيرة تُرغّب المسلم في تحرّي ليلة القدر، وإدراك وقتها، وطلبها، وليلة القدر ليلة ثابتة لا تُرفَع حتى قيام الساعة، ومن الأدلّة على ذلك ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، قال: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)، واختلف الفقهاء في تحديد وقت ليلة القدر، فكان من آرائهم ما يستند إلى دليل صحيح، ومنها ما لا يستند إلى دليل صحيح، أمّا جمهور العلماء فقد قالوا إنَّ هذه الليلة تقع في ليالي رمضان، وهذا ما يُسانده الجَمع بين الآيتَين؛ في قوله -تعالى-:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)،، ويدلّ حديث الرسول- صلّى الله عليه وسلّم-: (التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ)، على أنَّ ليلة القدر مُحدَّدة بالعَشر الأواخر من الشهر الفضيل، ثمّ استدلّوا على أنّ ليلة القدر تكون في ليالي الوَتر من العَشر الأواخر بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن كُلِّ وِتْرٍ)، وقد وردت أقوالٌ كثيرة في بيان وقتها.

الحِكمة من إخفاء ليلة القدر

اقتضت إرادة الله -تعالى- بأن يجعل وقت ليلة القدر خَفيّاً على العباد، كما أخفى عنهم كثيراً من الأمور، كساعة الإجابة في يوم الجمعة، ووقت انتهاء أجل الإنسان، ويوم القيامة؛ لحِكَم مُتعدِّدة، إضافة إلى أنّه أخفى ليلة القدر؛ ليكون المسلم مُجتهداً في عبادته دائماً في الليالي جميعها، وليكونَ حريصاً على إدراكها، والتماسها؛ خوفاً من أن تضيعَ عليه؛ فلو عُيِّنت، فإنّ العبد قد يقتصر بالعبادة على هذه الليلة فقط، وفيما يأتي ذِكرٌ لأسبابٍ وحِكَم أخرى لإخفاء ليلة القدر:

ليشغلَ المسلم العاقل وقته بما هو مطلوب منه من العبادة طوال الشهر، وخاصّة في العَشر الأواخر منه، ولا ينشغل بالبحث عن موعدها ووقتها؛ فما كان الله -تعالى- ليُخفيَ شيئاً، ثمّ يُطالب الناس بالبحث عنه. ليعظّم المسلم ليالي رمضان جميعها، وعدم الاقتصار على ليلة القَدْر فقط.

ليتجنّب المسلم الوقوع في المعاصي؛ فإنّ وقوعه في المعصية مع عِلمه بكونها في ليلة القَدر تُوجِب الإثم العظيم، وليس حاله كمَن وقع في الإثم مع عدم عِلمه بأنّها ليلة القَدر.

ليحصل العبد على ثواب الاجتهاد في إدراكها، وطلبها، وأجره.

ليظهر سِرّ الآية التي قال فيها الله -عزّ وجلّ-: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وأنّ هذه العبادة صدرت من العباد في ليلة مَخفيّة؛ فيعلم الذين في السماوات أنَّ هذه الليلة لو كانت معلومة لاجتهدَ فيها العباد أكثر.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

باستمراركم في تصفح هذا الموقع، نعتبر أنكم موافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" أو التقنيات الأخرى المماثلة لها والتي تتيح قياس نسب المتابعة وتقترح عليكم خاصيات تشغيل ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي أو محتويات أخرى أو إعلانات قائمة على خياراتكم الشخصية

موافق

This will close in 0 seconds