عديدة، هي المراحل الأليمة التي مرت منها شعوب هذا العالم، فمنذ أن خلق الله هذا الكون، والإنسان يجتاز مجموعة من الصعاب والمآسي بشكل فردي أو جماعي. مجاعات وحروب وصراعات وتدمير وتخريب للعديد مما بناه الإنسان بنفسه وطيلة العديد من القرون.
اليوم، المعجم الأكثر تداولا في كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والسمعية وفي كل شبكات التواصل الاجتماعي وما بين الناس، الخ، مستمد من الفيروس الجديد (كورونا)، والذي بنيت حوله العديد من القراءات العلمية والطبية والسياسية والاجتماعية الرسمية والشعبية والشعبوية، الخ. فهل فعلا من الممكن فرز بعض منافع هذا الفيروس؟
الحرص الشديد على حب الحياة
الرعب الذي ولده ظهور هذا الفيروس، وكبقية كافة الفيروسات المهددة لحياة الإنسان، دليل قوي على كوننا فعلا نرغب في الاستمتاع بهذه الحياة، كحق من حقوق جميع الناس. وفي المقابل من الممكن القول أيضا أن الرغبة في هذه الحياة، وفي ظل بداية انتشار هذا الفيروس، جعلنا نعرف العديد من مظاهر السلوكيات الفردية والجماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، الخ، الخاصة بالعديد من الشعوب ودول هذا العالم. كيف ذلك؟
من الممكن القول، إن بعض شعوب العالم، لاسيما العربية ومنها المغربية، مارست نوعا من السخرية بشكل ملحوظ، في حق هذا الفيروس، عكس دول العالم المتقدمة حيث التعامل معه بنوع من الانضباط العلمي والطبي والتربوي والإعلامي، الخ.
التعامل هنا ومن منظور السخرية من الممكن القول، إنه يعكس في العمق مقولة «ليس لدينا ما نخسر في هذا العالم». مقولة فيها بعد سيكولوجي قوي ودال. سخرية، قد تجعلنا نفهمها أيضا من زوايا متعددة شبيهة بخوف محقق، يتم الرد عليه بهذه السخرية، أو غياب تربية علمية صحية في مناهجنا التربوية والإعلامية، الخ، أو قد تكون هذه السخرية بمثابة «انتقام» من الذات التي ترى أن لا محل لها من الإعراب في هذه الحياة التي هي اليوم مقسمة بين من يملك ومن لا يملك، الخ، وبالتالي «الرقص» على إيقاعات ما يهددنا ونحن لا نملك قوة تتجاوزه، يجعلنا نفكر في خلق أسلحة تسعفنا في معركتنا ضده، وما السخرية إلا وسيلة من هذه الوسائل شبيهة بالمثل الشعبي «الضحك على راس الميت».
لنراقب سلوك العالم تجاه فيروس كورونا: هل فعلا يندرج هذا الفيروس ضمن حرب فيروسية تنبأت بها السينما ومنذ مدة؟. هل التفكير اليوم يسير نحو التحكم في العالم من خلال تهديده بما يصنع في المختبرات، لا سيما وأنه غير مكلف، بل، مربح لمليارات عديدة على مستوى ما يقدم فيما بعد من تلقيح مرتفع الثمن؟.
أسئلة عديدة من الممكن أن نطرحها في ظل هذا الانشغال الشعبي والرسمي لظهور هذا الفيروس ولفيروسات آتية لا محالة، لاسيما وأنها أيضا تندرج ضمن سياسة الإلهاء. إلهاء هذا العالم، في أفق التحكم المطلق في رقابه وفي جيبه وتنفسه وحياته ككل. هل سيكون العالم عادلا في توزيع اللقاح الذي سيظهر هنا أو هناك؟ طبعا لدى من يملك الإمكانيات البحثية العلمية النوعية، أم أنه سيخلق نوعا من اللقاح الخاص بالفقراء (لقاح من الصنف الثاني)، لكونهم لا يملكون القدرة المالية على شراء اللقاح الغالي؟
بعض من منافع فيروس كورونا: طبعا، من رحم العديد من محن العالم، من الممكن الحديث عن منح دالة مولودة من هذه المحن. كيف ذلك؟.
في مثل هذه المحن من الممكن أن نتعلم ونكيف أنفسنا على الأسوأ، وجعل من في يدهم قرارات «سعادة» الناس، التفكير في كل الكوارث التي من الممكن أن تحل بنا في عالم سياسته العولمية أصبحت واضحة، وفي جزء منها، ولكي تعيش عليك أن تدفع.
البحث العلمي
بجانب هذا، على الدول الفقيرة والباحثة عن مكانة ما تحت الشمس في هذه العولمة غير الرحيمة أن تلتفت إلى البحث العلمي وتهتم به ولا تفرط في علمائها الذين تخطفهم القوى العظمى، فهؤلاء كنز حقيقي ومهم سنحتاجه طيلة حياة هذا العالم.
التضامن والتآزر سلوك من الممكن الاشتغال عليه ليس أثناء ظهور ما يهددنا، بل، هو فعل تربوي علينا أن نحضره في مناهجنا الدراسية، ليتعلم الجميع كيف من الممكن أن يكون مستعدا لمثل فيروس كورونا وغيره. فهل النظافة وغسل الأيادي بالصابون كان من اللازم أن لا ندرك قيمته إلا حينما حل فيروس كورونا «ضيفا» علينا، بل، أم هو سلوك على المتعلم أن يتعلمه ويتشبع به في تعلمه وطيلة حياته؟.
مثل هذا الفيروس، سيذكر الجميع بسؤال الموت، وكيف على الجميع أن لا يبحث طيلة يومه على جشع دائم ودون الالتفات إلى من هم في حالة فقر مستمر. الرأسمالية المتوحشة لا تشبع، فهي دوما باحثة عن الربح ولا شيء آخر غير الربح. إنها حينما تجوع تأكل أبناءها، ومثل هذه الآفات المرضية قد تفرملها، وتجعلها أكثر إنسانية.
عالم اليوم، عالم يسير نحو حتفه وهلاك ما بناه الإنسان. حروب عديدة مهددة للجميع مبرمجة هنا وهناك، لأنه عالم دون عقل/روح ودون تضامن حقيقي إنساني. عالم يسير في اتجاه بناء أسوار فاصلة بين المتقدم والمتخلف، دون تنكر لأصوات إنسانية غربية تعيش هناك ومدافعة عن الحق في الحياة للجميع.
من منافع كورونا أيضا، إعادة التفكير في مصير هذا العالم، هل فعلا هو للجميع، أم «السعادة» هي للآخر و«الشقاء» لنا نحن من يوجد على ضفاف التخلف؟.
التكيف والتكوين الدائم على الكوارث الفيروسية والبيئية والحربية، الخ، هو اليوم حاجة وضرورة على الجميع أن يلتفت إليها، لاسيما في عالم بني جزء كبير من سياسته واقتصادياتها على ربط شعوب العالم بهذا «الفكر» التدميري، للحياة.
مواثيق دولية تضامنية صيغت في سنوات عديدة ومن لدن منظمات دولية عديدة وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلسها الأمني ومنظماتها الصحية والثقافية الخ، لكنها في الغالب الأعم مجرد حبر على ورق، لأن مصيرها مرهون بالقوي الذي إن كانت في صالحه تنفذ وإن كانت عكس ذلك، تبقى مجرد حبر على ورق. عالم اليوم، مطالب أن يفرمل نفسه ويطرح أسئلة فلسفية على واقعه ومصيره. الفلسفة شرط أساسي وعليها أن تحل في كل زمكان، لكي تنبه من يوقع قرارا ما بكون الحياة هي أمانة وللناس جميعا. خيرات هذا العالم تكفي لنا جميعا، ولمن سيأتي بعدنا …لكن رأسمالية هذا العالم تتميز بكونها لا تفكر في الشق الإنساني، بل، همها الوحيد الربح ولاشيء آخر غير الربح. من الممكن حصر العديد من منافع فيروس كورونا، كمثل تعداد العديد من ما يمكن أن نتعلم منه أثناء إصابتنا – لاقدر الله- بمصيبة ما. يقول الراحل مانديلا زعيم حركة تحرير جنوب إفريقيا في ما معناه، ليس لي ما أخسر في أي معركة خضتها، إن ربحت فهذا شيء مهم وإن خسرت فسأتعلم.
الرأسمالية الباحثة عن الربح
لنجعل من فيروس كورونا، تلك المحطة التي لا نتدافع فيها أمام الصيدليات بحثا عن واق طبي نشتريه بكمية كبيرة لتخزينه في بيوتنا تحسبا لأي طارئ، لأننا هنا، وعلى سبيل المثال، نكون حطبا لهذه الرأسمالية الباحثة عن الربح فقط كما قلنا، بل، لنربي أنفسنا على أن نعطي الأولوية للشيوخ والنساء والمرضى، وهو سلوك علينا أن نتعلمه في جزئيات حياتنا العادية وبالأحرى في مثل هذه الطوارئ ، ولنتمرن على الآتي الذي سيكون ربما أقوى من فيروس كورونا، إن بقي العالم يدبر بهذا «المنطق» السلطوي الذي لا يهمه صغار هذا العالم وفقراؤه.
عديدة، إذن، هي منافع كورونا التي علينا أن ننهل من علم النفس وعلم الاجتماع والسيميولوجيا المحللة للخطاب، كيفما كان، وفيروس كورونا خطاب حمال للعديد من المعاني/الدلالات…لكي نعود أنفسنا على الحياة ضمن الأزمات، وهي أزمات لا مفر منها إن لم يغير عالمنا جلده وخلخل العديد من الترسبات التي لازالت فاعلة لفعلها السياسي والاقتصادي، الخ.
كل عام وعالمنا بألف خير ومهما ظهرت مآسيه، فعلى هذه الأرض جوانب جميلة علينا أن نغنم منها، دون السقوط في شراك الخوف الذي هو صناعة مربحة للغير.