حددت الأمم المتحدة يوم الخامس من دجنبر من كل عام عاما دوليا للمتطوعين، وذلك قصد تفعيل هذا النوع من الأعمال التي إن وُجِدَتْ وَجَدَتْ لها صدقا ومثابرة لأنها بعيدة كل البعد عن منطق الربح والأنانية والمنافسة غير الشريفة.
عندما نتحدث عن العمل التطوعي في أمريكا، مثلا، نجده قد ارتبط ارتباطا وثيقا بعائلات ثرية كعائلة كارنيجي وروكفلر وكيلوج، أسست هذه العائلات جمعيات تطوعية عالجت من خلالها العديد من العلل والنقائص في المجتمع الأمريكي، فتطور عملها حتى صارت تستثمر في صناعة الفولاذ والسكك الحديدية والفحم وغيره، ففي سنة 1992 مثلا تم التبرع بما يفوق 43 مليار دولار أنفقت في مجالات حيوية كمساعدة دوي الدخل المحدود، ومحاربة العنف والجريمة، ورعاية الأطفال والنساء ضحايا العنف. ومن أهم التطورات التي عرفها العمل التطوعي في أمريكا هو توظيفه حتى في المجال الديني حيث يعمل شباب مسيحيون في الجامعات يطلقون على أنفسهم اسم “thanks giving ” حيث يجمعون أموالا من متبرعين ومتطوعين فينفقونها على نشر المسيحية بين صفوف الأجانب بمن فيهم المسلمين.
أما في الإسلام فيعتبر الوقف أحد أهم أنواع التطوع، فجل المقابر، إن لم نقل كلها التي يدفن فيها المسلمون في الدول الإسلامية إنما هي تطوع من طرف محسنين، فضلا عن التبرعات بأراضي ومساحات من أجل بناء المساجد والمدارس القرآنية.
والدين الإسلامي يحث على التطوع ويعتبره من القربات التي يتقرب بها الناس إلى ربهم، بل ويحثهم على ذلك بشكل مطلق أي يحثهم على جميع أنواع البر والصلة والصدقات حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “في كل ذي كبد رطب صدقة” والكبد الرطب يوجد في جميع الحيوانات والأسماك والطيور ماعدا الحشرات، ولذا كان عمر بن عبد العزيز ينثر القمح في الجبال شتاء فلما سئل رضي الله عنه عن سبب ذلك قال: “حتى لا يقال مات طير في بلاد المسلمين”.
كما أن الإسلام في بداياته ما كان لتقوم له قائمة لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح الباب على مصراعيه في وجه التطوع ولذا نقرأ في السيرة النبوية عن عمليات تطوعية كبيرة قام بها الصحابة الكرام مثل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه حين جهز جيش العسرة واشترى بئر رومة وسقى بها المسلمين ومثل ذلك أو قريب منه قام به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.
وكي نعلم بأن التطور خصلة حميدة مرغوب فيها شرعا وجب أن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر الثناء والمدح على الذين كانوا يتطوعون من خلال تقديم خدمات للشعب والأمة مثل قوله في عثمان: “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” أثناء معركة اليرموك، وقوله “من حفر بئر رومة فله الجنة”.
إن العمل التطوعي في حقيقته هو عمل تشترك فيه جميع الفئات والهيئات والجمعيات، سواء في القرى أو الحواضر، ويمكن أن يسدي خدمة جليلة في فك العزلة عن العديد من الأقاليم النائية التي تعاني في فصل الشتاء مثلا من غياب أو هشاشة في الشبكة الطرقية والقناطر، خصوصا في وقت تسلطت فيه على البلاد والشعب معا حكومات أعلنت إفلاسها في تدبير العديد من القطاعات التي لها علاقة مباشرة بالساكنة في العالم القروي.
محمد بربوش 20 دقيقة