الدكتور المصطفى المعتصم
هناك توتر يحاول المسؤولون المغاربة جاهدين أن لا يطفو على السطح بينما يحرص الطرف الفرنسي على استفزاز المغرب بشكل واضح وصريح . فمن الهجوم على الملك إلى تقديم أميناتو حيضر كغاندي المغرب إلى محاولة تنظيم نشاط للبوليساريو في مركز جورج بومبيدو إلى الحديث عن عودة الدولة البوليسية في المغرب إلى تصريح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الذي عبر فيه عن عدم رضاه عن استمرار تجميع سيارات من نوع بوجو ورونو بدول منها المغرب وقال بصراحة أن هذا النموذج التنموي فشل فشلا مزدوجا ، فشل اقتصادي لأنه يؤدي من جهة إلى تهجير الإنتاج الصناعي الفرنسي ويقلل من فرص الشغل عند الفرنسيين . واختتم قوله : لم نعد نقبل بهذا النموذج .
هل نحن إزاء ابتزاز فرنسي للمغرب ؟!
ممكن ، ففرنسا تعلم علم اليقين أهميتها بالنسبة للمغرب خصوصا في ما يتعلق بقضية الصحراء باعتبارها القوة الوحيدة التي بامكان المغرب أن يثق في فيتوهيها ودعمها بحكم العديد من الأسباب الاقتصادية والسياسية وغيرها ، على خلاف أمريكا التي لا يمكن الوثوق بها . وقد استفاذت فرنسا جيدا من هذا الأمر منذ 1975.
كما أن فرنسا تعرف جيدا مدى تغلغلها في المغرب واستفادتها منه كشريك أو لنقل كدولة تابعة لنفوذها ثقافيا واقتصاديا ويشكل حزبها الفرنكوفيلي أقوى وأهم حزب فعلي، نفوذا وتأثيرا ، بالمغرب. كما تعرف أنها كانت من أكبر المستفيذين من النموذج التنموي المتعثر الذي أصبحت إعاقاته اليوم من أهم الأسباب والأزمات الاجتماعية التي تعصف بالنسيج المجتمعي المغربي وتهديدها المبطن بسحب رونو وبيجو انهاء حتى لبعض الجوانب التي تبدو مضيئة في هذا النموذج ، لهذا هي قلقة من الرغبة التي عبر عنها ملك المغرب بنفس بديل عولمي بضرورة مراجعة هذا النموذج شبه الفاشل . وبالرغم من أن المغرب قد أرسل رسالة إطمئنان لفرنسا عبر جعل بنموسى على رأس اللجنة التي ستتكلف بصياغة نموذج جديد ففرنسا ما تزال تضغط.
فرنسا تعلم علم اليقين أنها لن تستطيع منافسة الصين على الفوز بالمشاريع الكبرى في المغرب في حالة ما إذا قررت بلادنا سلوك المساطير المعمول بها دوليا في هذا الصدد وتمني النفس في أن يظل المغرب يتعامل معها كما كان يحدث في الماضي أي بشروط تفضيلية وربما ريعية .
من جهة أخرى قد يكون النهج الترامبي في ممارسة الابتزاز قد أثر بشكل ما على فريق ماكرون الحاكم، ولعلهم يقولون لحكام المغرب وأصحاب القرار فيه : أعطونا لنبقي على دعمنا للحل السياسي في الصحراء ، أعطونا المزيد من الامتيازات لنحافظ على مشاريعنا الاستثمارية في المغرب ، نريد المزيد من الرضوخ لنا كي لا نثير لديكم المشاكل والفتن .
بعد مقتل 13جندي فرنسي في مالي منذ أسبوع تحدث الرئيس الفرنسي بنبرة فيها نوع من الغضب وطالب من دول الساحل والدول التي تشتكي من الارهاب في هذه المنطقة ( ولعله يعني أيضا المغرب ) بأن يكون لها حضور أكبر في هذه الحرب أي بعبارة أخرى أن تنوب هي عن فرنسا في الحرب على الارهاب فيما تستفيذ فرنسا من ثروات وخيرات مالي والنيجر .
فرنسا مهمة بالنسبة للمغرب بقدر ما المغرب مهم بالنسبة لفرنسا ، وإن كان من شيئ يجب أن يتغير فهي نوعية العلاقة بين البلدين ، كفى من العلاقة الطفيلية relation de parasitisme ونعم لعلاقة التعاون بين البلدين .
وللموضوع بقية ….