السلوك الاحتجاجي ..بين سؤال الحرية وواجب حفظ النظام العام

29 ديسمبر 2019
السلوك الاحتجاجي ..بين سؤال الحرية وواجب حفظ النظام العام

تعبر الأشكال الاحتجاجية بشكل عام عن دينامية المجتمعات البشرية في خضم بحثها المتواصل من أجل تحسين شروط الحياة والتأسيس لقوانين وأنظمة مجتمعية سليمة، سواء في شقها الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الحقوقي، وذلك بغض النظر عن الدوافع والأسباب المحركة للفعل الاحتجاجي، والتي تبقى باختلاف تلاوينها وإطاراتها المتنوعة المفرزة لها، تعبر عن روح التدافع المحرك للحضارة الإنسانية، في إطار الصراع الأزلي بين ما هم ثابت ومتغير.

فالسلوك الاحتجاجي إذن يختزن في كنهه دينامية وحركية المجتمع في سبيل بحثه عن حلول لتغيير بعض الأوضاع المشكلة أو تحسين بعض الشروط المرتبطة بنمط العيش المشترك، وهي سلوكات مستمرة ومتجددة في الزمان والمكان، تتنوع أشكالها وتتغير تعبيراتها وأساليبها في إطار فاعلية مجتمعية، يحدد كل جيل ملامحها ومحتواها وغاياتها، متخذة من الفضاء العمومي مسرحا رئيسيا لها.

هذا، وقد عرفت الأشكال الاحتجاجية في الألفية الثالثة تناميا مضطردا تعددت معه صورها وأنواعها ومجالات فعلها، مستمدة وقودها الأساسي من الطفرة الكونية التي خلفتها العولمة وظلالها التي ألقت بها على مختلف نواحي الحياة الإنسانية، وبالتالي لم يعد السلوك الاحتجاجي قصرا على قضايا كلاسيكية من قبيل التغيير السياسي أو العدالة الضريبية أو المساواة بين الطبقات، وإنما تجاوزها ليشمل قضايا واهتمامات كونية كالبيئة ومخاطر الحروب النووية، وغيرها من القضايا الجديدة التي صاحبت الطفرة التكنولوجية التي عرفها العالم الحديث.

وقد سارت النظريات السوسيولوجية الأولى التي تم تقعيدها في أوروبا إلى التركيز على الجانب السيكولوجي في تحليل السلوك الاحتجاجي، معتبرة “الجماهير” عدوانية ومجرمة بطبيعتها، مثل “نظرية الجماهير المجرمة” التي وضعها الإيطالي سيجهيل (SIGHELE)، بالإضافة إلى كتاب “سيكولوجيا الجماهير” لغوستاف لوبون (1841-1931)، والذي حلل الظاهرة من منظور علم النفس الاجتماعي، معتبرا أن “الميزة الأساسية للجماهير كظاهرة اجتماعية تتجسد في انصهار الفرد في روح الجماعة والعاطفة المشتركة عبر عملية التحريض، وذلك تحت تأثير قائد محرك يمارس تنويما مغناطيسيا على الحشود”، قبل أن تعقب ذلك عدة دراسات وأبحاث حول الحركات الاحتجاجية بعد أن انتقلت من إطارها الكلاسيكي المرتبط بالموارد ووسائل الإنتاج (الحركات العمالية) إلى فضاء أوسع تحكمه البنيات المستحدثة في المجتمعات العصرية وظهور متطلبات جديدة من الخدمات وتجدر ثقافة الاستهلاك في المجتمع، مع ما رافق ذلك من انقلاب في العلاقات الاجتماعية وانفتاح زوايا جديدة في علاقة الفرد بالمجتمع والدولة.

وعموما فإن الكلام عن الإشكاليات المرتبطة بالسلوك الاحتجاجي تطرح أمام الباحث عدة صعوبات بحكم التقاطعات الفلسفية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تدخل في تفسير هذه السلوكات، وأيضا الشخصانية والتحيز الفكري الذي طبع مختلف الأعمال التي تعرضت للظاهرة نظريا في محاولة منها لتبريرها ميدانيا، بالإضافة إلى الإشكال الفلسفي والقانوني والحقوقي المطروح عند محاولة الموازنة، من جهة، بين ضرورة الحفاظ على الحرية كقيمة إنسانية سامية –والتي يعتبر الفعل الاحتجاجي أحد أبرز تمظهراتها الجماعية-، ومن جهة أخرى، مراعاة إلزامية الحفاظ على النظام العام كأولوية جماعية، خاصة عندما يتحول سلوك الاحتجاج من إرادة سلمية ومعقولة للتغيير إلى انحراف نحو الهدم والفوضى والعنف، وهو الأمر الذي يستدعي معه تدخل آليات الضبط الإداري للحفاظ على حقوق ومصالح الجماعة. في موقف صعب ودقيق تتضاءل فيه الحدود بين الحرية والفوضى والحق والواجب.

السلوك الاحتجاجي بين الحق والواجب:إن الارتباط الوثيق للسلوكات الاحتجاجية بالسياقات الخاصة والعامة، هو ما يفسر ذلك التغير الحاصل في طبيعة المطالب المرفوعة من طرف المحتجين، والتي انتقلت من بزتها الإيديولوجية والسياسية –الصدامية في كثير من الأحيان مع الدولة- إلى مطالب بنفس المحتجين، وذلك نتيجة اتساع مساحة حرية الرأي والتعبير واكتساح المطالب الحقوقية للساحة العمومية، قبل أن تصبح الانشغالات المرتبطة بالسياسات التنموية والتدبيرية للشأن العام، وأيضا، القضايا الكونية المرتبطة بالمصير المشترك، حجر الزاوية في الموجات الاحتجاجية المعاصرة، وهو الأمر الذي أدى إلى تنوع كبير في أشكال وأساليب استعمال الفضاء العمومي للتعبير عن هذه المطالب، لدرجة أن التناسل العنقودي للاحتجاجات المتنوعة وزخمها اللامتناهي في عصرنا أصبح يتجاوز الحدود المعقولة لممارسة هذا الحق ويميل إلى الفوضى أكثر منه إلى التغيير الإيجابي.

وبالتالي، فإن الكلام عن الحق في ممارسة الاحتجاج يستوجب استحضار عدة مفاهيم متعارضة، من قبيل الحق والواجب وحدود الحرية وقدسية القانون، بدل الاقتصار على الكلام عن الحرية باعتبارها قيمة مطلقة، كما يكرس ذلك المفهوم الليبرالي المتحرر من أية قيود أو ضوابط قانونية تؤطر ممارستها، والذي غالبا ما يسقطها في جموح الفوضوية والعبث، ويهمل بالمقابل الميزة الكلية للحرية كقيمة إنسانية تستمد كينونتها الحقيقية من احترام وحماية مبادئ العيش المشترك والمصلحة العليا للجماعة، وذلك في إطار الدولة ككيان عام ضامن لممارسة حقوق وحريات الأفراد.

فممارسة حق الاحتجاج لا يمكن فهمه صحيحا في ظل الفصل الجافي بين قيمتي الحق والواجب، والتي يصعب في كثير من الأحايين التفريق بين حدودها الهلامية، نظرا لارتباط القيمة الأولى ب”أنا” الفرد وتعلق الثانية بحق الجماعة، علما أن حقوق الأفراد لا تحوز قيمتها العملية إلا في إطار نظام يحمل من خلال آلياته التنظيمية والزجرية، العموم على احترامها والوقوف عند حدودها المسطرة من طرف القانون، بحيث يكون حقا لمن يتمتع به وواجبا على من يلتزم باحترامه –فهو حق لهذا وحق على ذلك-، وبالتالي فإن الحق والواجب لا يعدوان كونهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن التفريق بينما إلا بتبديل زاوية الفعل والرؤية.

غير أن المقاربات الحقوقية الصرفة غالبا ما تذهب إلى القطيعة مع العلاقة التلازمية والتكاملية بين الحرية والواجب وتنتصر إلى سمو القيمة الأولى لالتصاقها التاريخي بالثورة الكونية لحقوق الإنسان، معتبرة أن الحرية تجسد الحالة الفطرية والطبيعية للوجود الإنساني، لكونها سابقة للمجتمع المدني وما ارتبط به من نظم قانونية وضعية ومدنية وبالتالي فإن مطلب حماية الحريات والحقوق في نظرها يعتبر أكثر إلحاحا وأهم من الدفاع عن أية قيمة أخرى معاكسة لها كما هو الشأن مع مفهوم الواجب. وهو منظور ضيق لا يأخذ بعين الاعتبار أن إهمال المواطنين لواجباتهم اتجاه المجتمع والدولة قد يكون مآله، لا محالة، فساد المعاش وانهيار النظم، وهو ما يتنافى مع الأساس والغاية من قيام الدولة المدنية كسلطة تعاقدية ضامنة للاستقرار والأمن وحامية لممارسة الحريات بشكل حضاري يتجاوز حالة الطبيعة المصطبغة بالصراع والفوضى.

الفعل الاحتجاجي وسؤال المشروعية:تثير المحاولات العلمية التي تعرضت بالدراسة والبحث للقضايا المتعلقة بالسلوكات والحركات الاحتجاجية إشكالا ولبسا كبيرا في خضم البحث عن رؤية موضوعية وغير مشوشة حول الموقف الديني والقانوني من هذه الظاهرة المجتمعية، نظرا لاختلاف السياقات التاريخية والتأثيرات السياسية والإيديولوجية التي نشأت في حضنها قراءات وتأويلات مختلف المدارس الفكرية والسياسة التي تطرقت للموضوع، خاصة عند الاشتراكيين والليبراليين (القراءات الماركسية أكثر انتصارا للحركات الاجتماعية باعتبارها صراعا طبقيا وجسرا نحو التغيير بينما لا ترى فيها القراءات الرأسمالية إلا تهديدا يستوجب التصدي له)، وبالتالي فإن الكلام عن مسألة مشروعية الاحتجاج سواء من وجهة نظر الدين أو القانون لا يخلو بدوره من تضاربات تفسرها المرجعيات والمنطلقات التي يقعد على ضوئها الباحثون قراءاتهم، بين متساهل تشدد في أحكام القيمة المرتبطة بالمسألة.

الجدل الديني حول حكم الاحتجاج:لم يكن الجدل الفقهي حول هذا الموضوع ليسلم من تجاذبات المذاهب الفقهية المختلفة في مقاربتها لإشكالية الفعل الاحتجاجي بالإضافة إلى تداخل ما هو فكري بما هو سياسي فيما يتعلق بالأحكام المرتبطة بهذه المسألة، بحيث انقسم الفقهاء إلى فريقين أحدهما مؤيد لخروج الناس للشارع للاحتجاج ضد السياسات العمومية والحكام (القائلون بهذا المذهب ينتمون للتيار الإسلامي الفكري ذو الخلفية السياسية) وآخر محرم تحريما مطلقا لهذا السلوك (القائلون بهذا المذهب ينتمون للمدرسة السلفية بمختلف تياراتها). وقد بسط كل فريق أدلته وحججه الشرعية للانتصار لرأيه على حساب الآخر.

فبالنسبة للفقهاء الذين يقولون بجواز الاحتجاج فإنهم يعتبرون هذه السلوكات من أمور “العادات” وشؤون الحياة المدنية التي يكون الأصل فيها الإباحة وفقا لقاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة)، كما يستندون على عدة نصوص شرعية تدرج فعل الاحتجاج في خانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معتبرين الاحتجاجات من الوسائل التي يتحقق بها هذا المقصد الشرعي، بالإضافة إلى استدلالهم بعدة قواعد فقهية تؤيد موقفهم المتساهل مثل قاعدة ” الوسائل لها أحكام المقاصد “وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.

وفي المقابل يذهب القائلون بحرمة الاحتجاج إلى عدم وجود نص صريح يجيز هذا السلوك، والذي يدرجونه في دائرة البدع المستحدثة التي لم تكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو من نهج أصحابه عليهم السلام، وهم يستندون في ذلك إلى عدة أدلة كقوله صلى الله عليه وسلم “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”، بالإضافة إلى استدلالهم بالأحاديث التي تحث على طاعة الحكام وحرمة الخروج عليهم كحديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من كره من أمير شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية”.

كما اعتبر الفقهاء القائلون بحرمة الاحتجاجات بأن من شروط تغيير المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه، وذلك بالنظر للجنوح الذي غالبا ما يرافق الاحتجاجات الجماهيرية وما ينتج عنها من أعمال شغب وتخريب واعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، وهم يستندون بدورهم في استنتاجاتهم على عدة قواعد فقهية كقاعدة “الضرر لا يزال بالضرر”.

وفي مقابل هذين الرأيين الفقهيين، هناك طرف ثالث انتهج موقفا وسطا بين الفريقين واعتبر أن الاحتجاجات بمختلف أشكالها لا يمكن الجزم فيها بالقول بجواز مطلق أو حرمة مطلقة، وإنما يتأرجح القول فيها بحسب الأحكام التكليفية المرتبطة بهذا الحكم، فمثلا الاحتجاجات ضد المستعمر تكون واجبة لارتباطها بإقامة الدين، كما يكون حكمها الندب إذا تعلقت ببعض الحقوق والمطالب غير الواجبة، وقد تكون مكروهة أو محرمة إذا كانت الغاية منها أمرا مكروها أو محرما. ويحرص هذا الاتجاه الفقهي على تقييد حالات الجواز بضوابط تبعدها عن السقوط في الانحرافات التي قد تبعدها عن المقصد الذي بنيت عليه، كاشتراط عدم قيام المحتجين بالأعمال التخريبية وإلحاق الضرر بالأشخاص والممتلكات أو أية سلوكات عدوانية أو عنصرية… إلخ.

ضابط حفظ النظام العام في الممارسة الاحتجاجية:تماشيا مع القوانين والمواثيق الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان، جاء دستور 2011 ليكرس التوجه الحثيث للمملكة لجعل هذه القواعد الكونية مرجعية رئيسية لقوانينه ونظمه، وذلك من خلال دسترتها ووضع الآليات القانونية لحمايتها وضمان ممارستها بالشكل السليم دون أي إخلال بالمتطلبات والغايات الملحة للعيش المشترك، تماهيا مع الدور الذي تقوم به مؤسسات الدولة الموكل لها تطبيق القانون وفرض النظام والأمن داخل المجتمع، في معادلة دقيقة وحساسة تهدف الدولة من ورائها إلى تحقيق الموازنة بين ضمان تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم، وأيضا، حماية حق الدولة في فرض احترام قواعد النظام العام كحصن قانوني للمصلحة العامة. فنفس الدستور الذي جاء ليحمي هذه الحريات ويضمن ممارستها هو من تولى تحصين حقوق الجماعة داخل إطار قانوني اسمه النظام العام.

ويعرف الفقيه اندريه هوريو فكرة النظام العام بأنه ” انعدام الفوضى والقلاقل”، فهو يشكل مجموعة الأسس والركائز التي تشكل كيان الدولة وهويتها ومرتكزاتها، ويدخل في ذلك حفظ الأمن العام والسكينة والصحة العامة، قبل أن يتسع مفهوم النظام العام مع مرور الوقت ويتجاوز إطاره التقليدي ليشمل، كذلك، النظام العام الأدبي والأخلاق العامة، نظرا للطابع المرن والنسبي والمتغير في الزمان والمكان لهذا المفهوم.

وتتمتع الدولة في إطار المهام المنوطة بها لحفظ النظام العام بعدة صلاحيات ووسائل مادية وقانونية (قرارات تنظيمية وقرارات انفرادية) تدخل في دائرة سلطة الضبط الإداري التي تلجأ إليها الإدارة لحماية المجتمع من كل ما من شأنه المساس بأمنه واستقراره، عبر فرض مجموعة من القيود والتدابير والإجراءات على أوجه معينة من نشاطات الأفراد، تتخذ معها عدة أشكال كالمنع أو التصريح المسبق أو الإذن، وغيرها من التدابير النسبية التي تتوخى الإدارة من ورائها تنظيم وتحديد دائرة ممارسة هذه الحريات، وذلك في إطار منظور وقائي واستباقي تشكل فيه الإجراءات الضبطية ذرعا واقيا للمجتمع قبل وقوع الفعل المحظور، على خلاف ما يدعي التيار الليبرالي الذي ينظر للسلطة كمشنقة للحرية وليس حارسا لها.

بحيث أن سلطات الضبط الإداري لا تقتصر على إنفاذ الإجراءات والتدابير الإدارية والقانونية لإجبار الأفراد على احترام القانون، وإنما ينصرف تدخلها كذلك إلى حماية الحريات وتأمين ممارستها بالشكل الذي لا يتعارض مع المصلحة العامة والصالح المشترك، وفق نظرة تكاملية تلتقي من خلالها السلطة مع الحرية في نفس الهدف والغاية، وتصبح فيها القواعد القانونية الملزمة للأفراد مسألة حيوية وضامنة لممارسة الحريات كذلك.

وعليه، فإن التصور الضيق الذي ينظر إلى القوانين المرتبطة بحفظ النظام العام كقيود على ممارسة الحريات العامة، من خلال التمييز التعارضي والصدامي بين قيمتي السلطة والحرية، مع الجنوح إلى حتمية رجحان الأولى على حساب الثانية، لا يستقيم بالنظر إلى حتمية العلاقة التلازمية والترابطية بين هاتين القيمتين النسبيتين، بحيث أن الحرية المطلقة لا يمكن أن تعتبر غاية في حد ذاتها، ولا تستطيع بمعزل عن السلطة تحقيق الشروط الواقعية والضرورية للحياة المشتركة، وضرورة التسليم بحتمية تدخل هذه الأخيرة كإطار عملي وواقعي لتقنين ممارسة الحريات وحمايتها من أي استعمال غير مسؤول يجنح بها عن الغايات النبيلة التي جاءت من أجلها.

إن الممارسة الاحتجاجية كمظهر للتدافع الحضاري، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ليست بالأمر المستجد وإنما وجدت ولا زالت وستستمر، وإن بأشكال وأنماط متغيرة تتماهى مع البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية السائدة في كل مرحلة تاريخية على حدة، متأرجحة آثارها في سلم الحضارة بين التجديد والتغيير، تارة، والهدم والتخريب، تارة أخرى، علما أن الفعل الاحتجاجي لم يعد منحصرا في أشكاله الكلاسيكية، على غرار الموجات الاحتجاجية العمالية الكبيرة التي عرفها العالم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كما لم يعد حكرا على مناطق معينة أو لصيقا بأحداث استثنائية، وإنما أصبح ممارسة متكررة وروتينية، بل وغير مبررة في كثير من صورها. وهي أمور تسترعي، أكثر من أي وقت مضى، استحضار رؤية عقلانية وموضوعية توازي بين مصلحة الفرد وحقه في الاحتجاج وبين المصلحة العامة وحقوق الجماعة التي وجد القانون في الأصل ليحميها، في إطار تصور شمولي يؤمن بحتمية التعايش الايجابي بينهما لخدمة الصالح العام.

ذ محمد الهيني

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

باستمراركم في تصفح هذا الموقع، نعتبر أنكم موافقون على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" أو التقنيات الأخرى المماثلة لها والتي تتيح قياس نسب المتابعة وتقترح عليكم خاصيات تشغيل ذات صلة بمواقع التواصل الاجتماعي أو محتويات أخرى أو إعلانات قائمة على خياراتكم الشخصية

موافق

This will close in 0 seconds